توليد الطاقة من روث الحيوانات.. الهند تلجأ إلى الأبقار لجعل هواء المدن أكثر نظافة

كتب محمد ناجي
تواجه الهند أزمة غير مسبوقة في مجال الطاقة بسبب انخفاض مخزون الفحم بشكل خطير، ورغم أنها صاحبة رابع أكبر احتياطي للفحم في العالم، لكنها ثاني أكبر مستورد في العالم، وتعتمد عليه في توليد 70 % من الكهرباء.
ورغم أن الهندوس يجلون الأبقار، وتعتبر الطائفة الأكثر انتشاراً في الهند أن هذه الحيوانات مقدسة، وتتمتع هذه الحيوانات كذلك بمكانة بارزة في المجتمعات الريفية الهندية، حيث لا يزال سكان هذه المناطق يستخدمونها بانتظام كحيوانات جر، إلا أن السلطات تراهن على استخدام روث هذه الحيوانات لجعل هواء المدن الملوثة بالدخان نظيفاً.
روث الأبقار لتوليد الطاقة
وكانت الأسر الريفية تلجأ طويلاً إلى إحراق فضلات الماشية المجففة جرّاء أشعة الشمس لاستخدامها في إشعال المواقد، وتستمر هذه الممارسة رغم جهود الحكومة للتخلص التدريجي منها عبر عبوات الغاز المدعومة.
وتحصل قرى واقعة في ضواحي مدينة إندور وسط الهند على مداخيل مالية لقاء تسليمها كميات كبيرة من روث البقر إلى مشروع تجريبي يهدف إلى المساهمة في تلبية احتياجات المدينة من الطاقة.
ويقول المزارع سوريش سيسوديا لوكالة الصحافة الفرنسية، “لدينا نوعية جيدة من الروث، ونحافظ عليه نظيفاً لنضمن أنّه سيُباع بأفضل الأسعار”.
وباع الرجل البالغ 46 عاماً حوالى اثنتي عشرة شاحنة محملة بالروث بـ235 دولاراً لكل شحنة، ما يمثل أكثر من الدخل الشهري لأسرة مزارعين في الهند.
وتضم مزرعة سيسوديا 50 رأس ماشية، وكان في الماضي يؤمن أكلاف عمله أحياناً من خلال بيع الروث لاستخدامه منه كسماد، ويأمل حالياً في تحصيل إيرادات يستطيع الاعتماد أكثر عليها.
ويوضح سيسوديا أن “المزارعين يجمعون الروث مرة كل ستة أو 12 شهراً، ويُؤمّن المصنع دخلاً ثابتاً”، مضيفاً أن مزرعته تنتج كميات من الروث تكفي لملء شاحنة كل ثلاثة أسابيع.
وعائلة هذا المزارع هي إحدى الجهات الكثيرة المستفيدة من برنامج “جوبردان” (“أموال الروث” بالهندية) منذ أن افتتح رئيس الوزراء ناريندرا مودي في فبراير المصنع المجاور المتخصص في معالجة الكتل الحيوية.
ويُنقل روث ماشية سيسوديا إلى المصنع، حيث يخلط مع النفايات المنزلية لإنتاج غاز الميثان القابل للاشتعال ومواد عضوية تُستخدم كسماد.
ويستخدم المصنع يومياً 500 طن من النفايات من ضمنها ما لا يقل عن 25 طناً من براز الأبقار، وتكفي كمية النفايات هذه لتشغيل نظام النقل العام في المدينة مع بقاء كمية كبيرة منها.
ويقول رئيس المصنع نيتش كومار تريباثي لوكالة الصحافة الفرنسية، إن “نصف الكمية ستشغل حافلات إندور وسيُباع النصف الآخر لزبائن من الصناعيين”.
وواجه برنامج “جوباردان” التجريبي عقبات لوجيستية، إذ وجدت الشاحنات التابعة للمصنع صعوبة في الوصول إلى المزارع بسبب وعورة الطرق الريفية.
ويشير أنكيت شوداري الذي يجوب القرى بحثاً عن موردين محتملين إلى أن المزارعين ارتابوا من أن المشروع بمثابة خطة للثراء السريع، وطالبوا بـ”ضمانات عن الدفع السريع والمنتظم” قبل التوقيع.

أمل لتحويل النفايات إلى غاز
وتضع الحكومة الهندية آمالاً كبيرة على هذه المبادرة، إذ تعهّد رئيس الوزراء “مودي” إنشاء مصانع متخصصة بتحويل النفايات إلى غاز في 75 موقعاً آخر منذ بدء تشغيل مصنع إندور.
ويشكّل اللجوء إلى مصادر الطاقة البديلة أولوية ملحة في الهند التي تستخدم الفحم لسد حوالى ثلاثة أرباع احتياجات الطاقة لمواطنيها البالغ عددهم 1,4 مليار نسمة.
وأدى اعتماد الهند الكبير على الفحم لتوليد الطاقة إلى تصنيف مدنها باستمرار من بين أكثر المدن اختناقاً بالضباب الدخاني في العالم. ويتسبّب تلوث الهواء بالهند في وفاة أكثر من مليون شخص سنوياً، بحسب دراسة نُشرت في مجلة “ذي لانست” الطبية.
ويجذب المشروع كذلك الجماعات القومية الهندوسية التي تعتبر من ركائز حكم مودي، ويحظى كذلك بتأييد دعاة حماية الأبقار. وتحت إشراف هذه الجماعات، أوقف “حراس الأبقار” عمل مسالخ يملكها مسلمون.
لكنّ السياسات الدينية المدافعة عن الأبقار تسببت بعواقب غير متعمدة، إذ تنتشر حالياً الأبقار الشاردة في القرى وعلى الطرق المزدحمة للمدن الكبرى.
ويأمل المساعدون الحكوميون، ومن بينهم رئيسة بلدية إندور السابقة والعضو في حزب “بهاراتيا جاناتا” الحاكم، ماليني لاكسمانسينج جور، في أن يؤدي توسيع نطاق مشروع الغاز الحيوي إلى تحفيز المزارعين على الاحتفاظ بأبقارهم حتى عندما تصبح هذه الحيوانات كبيرة في السن، وتتوقف عن إعطاء الحليب والمساعدة في حراثة الحقول.
وتقول جور، إن “هذا الدخل الإضافي سيجعل القرى نظيفة ويساعد في التصدي للأبقار الشاردة على السواء”.
