د.أحمد هاني: المحيط الاجتماعي والتوازن البيئي
أستاذ الحساسية والصدر وطب البيئة بالأكاديمية الطبية العسكرية

تتشكل البيئة من المحيط البيولوجي Biosphere، ويشمل الأرض والمحيطات والبحار والانهار، والغلاف الجوي، والكائنات الحيه – المحيط التكنولوجي أو المصنوع Technosphere، ويشمل كل ما يقيمه الإنسان من منشئات لأي غرض – المحيط الاجتماعي Sociosphere، بداية من التجمعات البشرية في شكل مجموعات أو قبائل أو دول، والعلاقة بين الفرد، والآخر، وبين المجتمعات وبعضها، وشكلها القانوني المنظم لهذه العلاقات، والعلاقات بينهم، وبين المحيط البيولوجي الذي يستخدموه من أجل البقاء، وإنشاء الأشكال الحضارية من أجل الرفاهية والأمن.
التوازن البيئي
التوازن البيئي هو الحفاظ علي الأنواع الحية بعددها الطبيعي، وحمايتها من الانقراض بالحفاظ علي سلاسل الغذاء الطبيعية مع الحفاظ علي التركيب الكيميائي للأرض، والغلاف الجوي، ومصادر المياه.
أهمية التوازن البيئي، أنه الضمان الوحيد الطبيعي للإنسان، بعدم التعرض للمضار الكيميائية، ويضمن له بقاء الأنواع الحية من النباتات، والحيوانات التي يعتمد وجوده عليها في الغذاء، طالما لم تحدث كوارث طبيعية، كالبراكين التي تقذف بحمم وغازات سامة أو الزلازل التي تدمر البيئة المحيطة مثلا..
ويحدث الخلل البيئي للأسباب الآتية:
أسباب طبيعية
مثل الزلازل والبراكين والفيضانات، والسيول، وبحب درجة شدتها يكون الخلل فالأسباب الطبيعية ذات الدرجة البسيطة عادة تكون غير مؤثرة، ولكن الشديدة قد تسبب دمار جغرافيا تتغير بعده شكل الحياة في منطقة ما، وتسبب مجاعات بسبب دمار المزروعات، والثروة الحيوانية، وهناك نظريه تقول بأن انقراض الديناصورات، والعديد من أشكال الحياة البيولوجية حدث بسبب نيزك ضرب الأرض، وتسبب في تغيير المناخ.
ثانيا أسباب من صنع الإنسان
حتي الثورة الصناعية في أوروبا لم يحدث ضرر بيئي يذكر، ولكن التوسع الصناعي تسبب في زيادة كمية استهلاك المحروقات وانبعاثات أكاسيد الكربون، و الكبريت، والنيتروجين، وجاء استخدام البترول، ومشتقاته ليضيف انبعاث، وتلوث بمواد هيدروكربونيه تبقي في البيئة المحيطة.
بكتريا التحلل المسئولة عن تحلل البقايا البيولوجية إلي عناصر أولية لا تستطع تحليل هذه البقايا الهيدروكربونية مع عدم قدره الكساء النباتي علي استيعاب كمية ثاني أكسيد الكربون، وتحويله إلي بروتين، وإخراج الأكسجين بدلا من الذي تم استهلاكه في عمليات الحرق، التقدم في الكيمياء صاحبه إنتاج مركبات كيميائية معقدة جديدة وغريبة عن البيئة، ولا توجد في الطبيعة بكتريا قادره علي تحليلها أو تفاعل كيماوي قادر علي ذلك مثل البلاستيك بأنواعه، والنتيجة ازدياد المخلفات الصلبة مع صعوبة التخلص منها.
استهلاك المزيد من الموارد الطبيعية غير المتجددة مما يجعلها نادرة، حرق كميات كبيرة من الوقود الأحفوري مثل الفحم والبترول و تلوث البيئة بغازات تغير من تركيب الهواء و الماء و التربة، كوارث من صنع الإنسان كانفجارات في مصانع او أعمال إرهابية.
الحروب مما يؤدي إلى تغيير في الجغرافيا، ودمار منشئات ونزوح لاجئين إلي مناطق جديدة، ويشكلوا ضغط علي النظام البيئي مما يؤدي إلي تدهوره
تصرفات الإنسان أضعاف أضرار الكوارث الطبيعية
عند النظر إلى الخلل في النظم البيئية، نجد أن الضرر الناتج من التصرفات الإنسانية أضعاف الضرر الناتج من الكوارث الطبيعية، وحيث أن الإنسان منذ بدء الخليقة يعيش في مجتمعات تحكمه علاقات اجتماعية، وعادات، وتقاليد، وأعراف وقوانين، وكلما تطورت الحضارة يتطور معها النظام التشريعي، والقانوني حتي وصل الأمر إلي وجود قانون دولي، وهيئات دولية تضع أطر للعلاقات، بل وأحيانا تقوم بتنفيذ عقوبات ضد دول ومجتمعات تخرج عن هذه الأطر، فنجد الظواهر الأتية تتواجد في العالم وتنعكس علي الدول..
-الدول الصناعية وخاصة دول الغرب مسئوله عما يقرب من 75% من التلوث، إلا أنها تتقاعس عن المساهمة بشكل عادل في الحلول لأزمة المناخ.
-هناك دول مثل تركيا وإيران تقيم سدود على مجاري الأنهار، مما يؤدي الي جفاف وتصحر في دول المصب.
-هناك استهلاك لغابات الأمازون وفقدان تلك الغابات و هذه تعتبر الرئة بالنسبة لكوكب الأرض.
هذا علي المستوي العالمي، أما عن المستوي المحلي، فنجد أن المحيط الاجتماعي يتكون من الدولة بنظامها القانوني التشريعي، والنظام التنفيذي بوزاراته العديدة، والنظام القضائي، وشعبويا من العادات والتقاليد والعرف والأديان، ويعمل المحيط الاجتماعي كحكم ومنسق بين كل من المحيط البيولوجي، والمحيط التكنولوجي من خلال:
-وضع القوانين التي تنظم عمل المحيط التكنولوجي عند استخدامه للمحيط البيولوجي من كمية استخدام المصادر غير المتجددة، وإنتاج آمن ذو جوده عالية، ومقدار التلوث المسموح به، ويراقب ذلك، نشر الوعي البيئي، والصحي بين السكان بالتعليم والثقافة من خلال النظام التعليمي و الثقافي والإعلام الموجه و الغير مباشر.
-وضع الخطط للتنمية المستدامة باستخدام الطاقة المتجددة كلما أمكن ذلك ومراعاة حق الأجيال المقبلة في توافر الموارد وعوامل التنمية لها
-تنفيذ القانون وتفعيلة بما لا يسمح بتدمير البيئة المحيطة
-وضع خطط لمواجه الكوارث البيئية والأزمات وتحديد أدوار السلطات المحلية و علي مستوي الدولة و التعاون مع الدول الأخرى لاحتوائها علي المستوي الإقليمي و الدولي
-تحديد الأخطار التي تؤدي إلي انقراض بعض الأنواع و تلافيها و إنشاء المحميات الطبيعية
-مواجهة مشكلة التصحر ووضع الحلول لها
-إنتاج الغذاء بوفرة وبطرق آمنه تحد من تواجد الكيماويات الضارة بالأغذية
-مواجهة الوبائيات التي تصيب الإنسان و الحيوان و النبات من خلال خطط لمنعها أو احتوائها و معالجتها
وتحدث المشاكل البيئية عند ضعف المحيط الاجتماعي وعدم قدرته علي تنظيم العلاقة بين المحيط التكنولوجي، مما يؤدي إلي توغل المحيط التكنولوجي في استخدامه للموارد الطبيعية والحيوية أو عدم قدره المحيط الاجتماعي علي اتخاذ القرار السليم في معالجة المشاكل البيئية
أمثلة علي ذلك
في أستراليا بالرغم من التقدم العلمي والاقتصادي ووعي السكان، إلا أن المزارعين تعرضوا لهجمات ولدغات الثعابين فقامت الدولة بوضع خطة لمكافحة الثعابين و القضاء عليها و حدث رد فعل استراتيجي ضار Strategic Paradox or Strategic Rebound بسبب نقص الثعابين تزايد عدد الفئران و أكلت المحصول و كان الحل استيراد ثعابين من الهند لمعالجه الخلل البيئي في هذه الأماكن
في سبعينيات القرن السابق أنشأت الهند مصنع للكيماويات في منطقة بهوبال المزدحمة سكانيا بغرض تنمية المنطقة والقضاء علي البطالة و انفجر المصنع بسبب قصور في الصيانة الدورية ليتضح عدم وجود خطط لإجلاء السكان و عدم وجود خطة شاملة للتعامل في حالة الدمار الكامل للمصنع مما أدي الي وفاه ما يقرب من ثلاثة أرباع مليون مواطن بدلا من تنميتهم و الخطأ هنا بجانب الفشل في التخطيط الاستراتيجي هو اختيار تكنولوجي دون تدريب و تجهيز كاف لأطقم تستطيع الصيانة للأجهزة و المعدات و قادرة علي التعامل مع مختلف المشاكل.
في أزمة أنفلونزا الطيور عالميا نصحت منظمة الصحة العالمية بشراء و تخزين كميات كبيرة من عقار التاميفلو ليتضح بعد ذلك أن العقار خاص بالأنفلونزا العادية و أن أنفلونزا الطيور لا تستدعي تخزين مثل هذه الكميات و اعتذرت المنظمة عن خطأها الاستراتيجي في اتخاذ قرار دون معلومات موثقة كافية.
تجريف التربة الزراعية في مصر، و إنشاء مصانع للطوب مع تغاضي السلطات المحلية عن ذلك، أثر سلبا علي القدرة علي إنتاج الغذاء، خاصة مع الزيادة السكانية، ويرجع ذلك إلي عدة أسباب، أولها تقسيم الأرض الزراعية، وتفتيت الملكية بتوزيع خمسة أفدنه لكل فلاح ثم حصول ورثته علي قطع أرض صغيرة غير مجدية، كاستثمار زراعي، ولو أن قررت الدولة أن تنشئ شركات لإدارة الإقطاعيات، وحصول الفلاح علي أسهم تساوي قيمة الخمسة فدادين، لما تفتت الأرض، لأن الورثة كان سيحصل كل منهم علي سهم أول أقل و سيتم بيعه في البورصة بدلا من تجريف الأرض.
ضعف السلطات المحلية في التصدي لإنشاء العشوائيات و البناء علي الأرض الزراعية، أدي إلي تشوهات سكانية، وإسكانية، والضغط الزائد علي المرافق، وأخلاقيات الزحام، وانتشار معدلات الجرائم، وحاليا تنفق الدولة المليارات بسبب خطأها الاستراتيجي السابق، بالسماح بتصرفات غير مدرجة بالخطط الموضوعة، ولو أنها توسعت في الظهير الصحراوي وإعطاء من يرغب في البناء قطعة أرض بثمن زهيد بشرط التزامه بشروط بناء صحية، ومد المرافق تدريجيا لما واجهنا هذه المشكلة.
الخلاصة:
لو بحثنا في أي مشكلة بيئية، سنجد أن ضعف المحيط الاجتماعي علي المستوي الدولي أو المحلي، وعدم وجود تخطيط سليم أو وجود تخطيط خاطئ، هو السبب الحقيقي للمشاكل البيئية، حيث أن المحيط التكنولوجي يتوغل في استخدامه للمحيط الحيوي، وتزيد التلوث، والأمراض بوجه عام، خاصة أمراض الحساسية والمناعة والأورام والفشل الكلوي، مما يضيع جهود التنمية علي المستوي الإنساني، وتنفق أكثر مما حصلت علية من التنمية.
ولحل هذا لابد من دعم المحيط الاجتماعي، وقدرته علي التخطيط، وإنفاذ القانون مع الوصول، ونشر نماذج رياضية اقتصادية للتنمية البيئية المستدامة، والتعامل مع الوبائيات من خلال نماذج رياضية تؤدي إلي توقعها، ومجابتها بجانب وضع خطط مواجهة الكوارث والأزمات، وتدقيقها و تعديلها باستمرار.