د.معتز محمد أبوزيد: العدالة المناخية والتحول الرقمي
قاض- محاضر مواد القانون العام - خبير تشريعات حقوق الإنسان

يشهد العالم تحركا واضحا في الوقت الراهن نحو التنمية المستدامة استنادا لأهداف الأمم المتحدة بشأن تحقيق هذه التنمية ، حيث تأتي على قمة هذه الجهود ما تقدمه دول العالم من مشاركات بشأن مواجهة تغير المناخ والحفاظ على درجة حرارة الأرض والحفاظ على التنوع البيولوجي، بما في ذلك تحقيق العدالة المناخية وتحديد مفهومها ونطاق تطبيقها، ومن ناحية أخرى فان سباق التحول الرقمي الذي تتسارع إليه الدول في الوقت، ويراه العالم طوق النجاة الذي يقدم حلا لمشكلات تغير المناخ مع توفير الطاقة، واليد العاملة، وبطريقة تتناسب مع التحديث المطلوب لمواجهة مشكلات التغير المناخي، إلا أن النظر في هذه الفرضية، وهي الاستعانة بثورة التكنولوجيا وتيار الرقمنة الذي يجتاح العالم يؤدي للعديد من الأفكار و متابعة ذلك بالمتابعة و التحليل.
متطلبات الأمن السيبراني عالية الكفاءة
في بداية الأمر يجب الوقوف على مدى ما يجتاح ثورات التحول الرقمي من إجراءات تتطلب العديد من متطلبات الأمن السيبراني عالية الكفاءة، والتي تؤدي إلى حفظ المعلومات وسهولة استخدامها بطريقة آمنة لتحقق الهدف من تشغيل هذه البيانات في حماية البيئة، ومواجهة مشكلات التغير المناخي، هذا فضلا عما يتطلبه هذا الحراك من درجة مفترضة من العلم والخبرة والقدرة على التعامل مع الأجهزة الذكية، وبرامج وتطبيقات معالجة البيانات، وهو قد لا يتوفر لدى جميع العاملين في مواجهة التغير المناخي أو قد يصعب مواجهة مشكلات التغير المناخي المتعددة بهذه الطرق التكنولوجية الحديثة، والتي قد تكون محدودة بالنظر الى مشكلات التغير المناخي المتعددة.
ومن ناحية أخرى لا شك في أن تصنيع الأجهزة الذكية والحواسيب، بل وكذلك بعض الآلات والمعدات التي تتحرك وتتفاعل وتتعامل رقميا أو تعتبر من تطبيقات الذكاء الاصطناعي مثل الإنسان الآلي أو (الروبوت)، وهو ما قد يتطلب في تصنيعه استخدام مواد صلبة في التصنيع والتفاعل والتحمل للأدوار التي يقوم بها الإنسان الآلي مثل عنصر اليورانيوم، والذي يعد استخدامه والتعامل معه في بعض الأحيان خطرا على الإنسان البشري، وكذلك على البيئة الطبيعية مما قد يساعد على زيادة مشكلات التغير المناخي.
التعامل مع العالم الرقمي
ومن جانب أخر أن التعامل مع العالم الرقمي في مواجهة مشكلات التغير المناخي، هو استعانة بأكثر ما يتصل به العلم البشري من تقدم واستخدام للتكنولوجيا، وأن التعامل مع هذه الظواهر الحديثة يتطلب الوصول إلى درجة عالية من التفاعل مع طريقة التفكير البشرية، واستخدام طرق تفكير عملية مثل العقل البشري تماما، بترتيب أولويات واعتبارات بشكل معين قد تتشابه مع النوازع و الأهواء التي تؤثر على تفكير العقل البشري، وهو ما قد يسبب تعقيدا أكبر في مشكلات التغير البيئي حيث أن طرق التفكير لتطبيقات الذكاء الاصطناعي والإنسان الآلي قد يخرج في بعض الأحيان عن السير الطبيعي فيرتكب الجرائم وينفذ المخالفات، وذلك بخطأ استخدام أو اختراق إلكتروني لهذه البرامج أو الفيروسات الإلكترونية المتعددة التي تصيب هذه الأجهزة و التطبيقات، مما قد يسبب الأذى لمن حوله بطريقة ربما أشد مما يسببه الإنسان البشري بالمحيط البيئي و المناخي من حوله، وهو ما قد يفق هذا العالم الرقمي ميزة من أهم مزاياه و هي الفعالية البديلة للعنصر البشري في مواجهة التغير المناخي، والتي تختلف باختلاف الأماكن والأقاليم و التنوع الحيوي للكائنات الحية.
المسئولية المناخية
ومن زاوية العدالة المناخية فان ما يثار حول المسئولية المناخية، لما حدث من تغيرات بيئية في كوكب الأرض عن طريق الدول التي سبقت في الثورة الصناعية، واستخدام مواد الطاقة والوقود الأحفوري، والتي تعالت فيها الأصوات بتحميل هذه الدول مسئولية ما حدث من تغيرات مناخية، وأنها قد استفادت من ثرائها و تنمية اقتصادها الوطني في حين أنها سببت الدمار للكيان البيئي لكوكب الأرض و التأثير سلبا على مناخ بيئة الدول الأخرى التي لم تلحق بركب هذه الثورة الصناعية.
فان ما أثير بشأن هذه المسئولية يثار كذلك بشأن العدالة في شأن إمكانية النجاة عن طريق التحول الرقمي، وهي الإجراءات الأكثر حداثة والتطبيقات الأكثر تقدما في ثورة التكنولوجيا والتي تعتبر في غالب الأحيان حكرا على الدول المتقدمة والتي قطعت شوطا في الثورة التكنولوجيا وتحقيق إجراءات التحول الرقمي ومن ثم فان الدول التي سبقت في الثورة الصناعية قديما وسعى الجميع إلى تحميلها مسئولية التغير المناخ، هي كذلك التي تسبق حاليا لاستغلال التحول الرقمي في إنقاذ نفسها ومواطنيها من مشكلات التغير المناخي بل و قد يصل الأمر الى ما هو أبعد من ذلك بما تملكه هذه الدول المتقدمة من تحكم في ثورة التحول الرقمي فإنها قد تفسد محاولات الدول الفقيرة والنامية في استخدام وسائل التكنولوجيا و التجول الرقمي لتحقيق هذه النتيجة.
سباقا لا نهاية له
من الواضح بجلاء انه أصبح سباقا لا نهاية له بدأ عندما تسارعت الدول الى الاستحواذ على مصادر الطاقة ومفاتيح التنمية وإمكانية تحقيقها وصار من سبق له السبق كذلك في التعامل مع مشكلات التغير المناخي، سواء بالشكل الرقمي أو بغيره فان الأمر رهين بإمكانيات توفرت ومن ثم قدرة الدولة على تقديم هذه الإجراءات والتي قد تحمل شكل المواجهة لمشكلات تغير المناخ، وليس إنهاء هذه المشكلات لإنقاذ كوكب الأرض، كما تشارك الجميع في تغيير مناخه والإخلال بقواعد العدالة المناخية بين دول العالم.
ومما لا شك فيه كذلك أن مبادئ العدالة قد تتأثر بشأن السباق العالمي في إجراءات التحول الرقمي، حيث أن هذه الإجراءات على قد من السرعة والتقدم والإجراءات الفنية و التعقيد بما قد يصعب في الكثير من الأحيان تنظيمها من خلال نصوص تشريعية أو لائحيه بإجراءات ثقيلة أو صعب تحريكها، والخوض فيها لصعوبة تنظيم هذا الحراك الفني و السريع من خلال نص قانوني و هو ما يخرج هذا السباق عن إطار التنظيم من خلال نص أو قرار ومما لا شك فيه أن غياب النصوص المنظمة لهذه الإجراءات يفتح الباب لاستغلال هذا التحول الرقمي في بعض الدول بل و قد يبرر في أحيان أخرى المخالفة و يحدث العديد من الأضرار.
تعم الفوائد على جميع الدول
فتحقيق أهداف التنمية المستدامة، وما يتطلبه ذلك من تضافر النظرة إلى مواجهة التغير المناخي من خلال العمل، كذلك على إدماج آليات التحول الرقمي إجراءات ضروري اتفق الجميع على صلاحيتها وفعاليتها في مواجهة مشكلات التغير المناخي.
ولكن مبادئ العدالة المناخية و المسئولية المشتركة تتطلب كذلك، أن تعم هذه الفوائد على جميع الدول على أن يتم ذلك من خلال تنظيم قانوني مرن، وإطار أخلاقي ومتخصص يضمن سلامة الأسلوب وصحة النتائج بدلا من الوصول الى مشكلات أعمق وأصعب في مواجهتها وحلها.
هذا لا يعني التقليل من أهمية إجراءات التحول الرقمي، ولا ما وصل إليه العالم في شأن تطبيقات الذكاء الاصطناعي وإنما هو تأكيد من جديد على ضوابط هذا التحول الرقمي خاصة فيما يتعلق بمواجهة مشكلات البيئة و المناخ حيث تشمل هذه الآليات سلامة حياة البشر وإنقاذ كوكب الأرض.