أهم الموضوعاتتغير المناخ

السماد البشري.. تقليل البصمة الكربونية في رحلة الإنسان إلى الأخرة بدفن صديق للبيئة

إعادة الإنسان إلى الأرض بطريقة مستدامة تثير الجدل في الولايات المتحدة

كتب مصطفى شعبان 

 

وضع الجثث في أوعية محكمة الإغلاق يحيط بها خليط من البرسيم الحجازي ونشارة الخشب لتحتفظ بالحرارة وتجنب إنفاق الوقود في الحرق 

“سماد الجسم”، وصفة يتم تطبيقها قانونا في ولاية واشنطن الأمريكية يراها البعض تقدم حلاً صديقًا للبيئة للأشخاص الذين يتطلعون إلى الحفاظ على البيئة في رحلة الأخرة، ومع انتقال الأمر إلى ولايات أخرى بدأ القانون يثير الجدل حول مبررات أصحاب مكافحة تغير المناخ بجثث الموتى، وأصحاب الحفاظ على كرامة الجسد، وعدم إدخال جسم الإنسان بعد الوفاة في آليات أو مبررات الحفاظ على الطبيعة.

القانون الذى تم التصديق عليه في برلمان ولاية واشنطن مايو 2019، تأخر تطبيقه بسبب جائحة كورونا وارتباك في التنفيذ، ودخل حيز التنفيذ في مايو 2020، ومعه ظهرت بعض الشركات ومنها شركة” Return Home “، أو “العودة للمنزل”، للرعاية الجنائزية، لتطبيق القانون تحت مسمى عملية ” terramation “، للاختزال العضوي لتحويل الأجسام إلى تربة وسماد.

تفاصيل العملية كما نقلتها وكالة فرانس برس، توضع الجثث في أوعية محكمة الإغلاق، وتحيط بها خليط كثيف من البرسيم الحجازي، ونشارة الخشب، تتراكم هذه المواد العضوية بسرعة وتحتفظ بالحرارة بشكل طبيعي، مما يؤدي إلى تجنب إنفاق الوقود الأحفوري الباهظ على محارق الجثث التقليدية.

الرئيس التنفيذي للشركة ميكا ترومان يقول،”نستخدم قاعدة من المواد العضوية حيث يوضع الجسم، ونغلق الغطاء ببساطة. تحافظ الحرارة على النشاط الميكروبي نشطًا للغاية وفي نهاية الشهر، يتحول جسمنا تمامًا إلى حد كبير، عندما ننتهي ، لدينا التربة التي يمكننا منحها للعائلة”.

صندوق إعادة جسم الإنسان إلى التربة
صندوق إعادة جسم الإنسان إلى التربة

تتطلب طرق حرق الجثث التقليدية وقودًا لتسخين الجثث إلى درجات حرارة أعلى من 650 درجة مئوية.

لفهم مدى أهمية الأمر بالنسبة لدول مثل أمريكا أو دول غربية، وآسيوية التي تنتهج طريقة الحرق لجثث المتوفين كجزء من اختيارات الناس أو ذويهم، فإن في الولايات المتحدة فقط تم حرق 1.8 مليون جثة لمتوفين تقريبا في 2020، مع إطلاق كل احتفال نفس الكمية من غازات الاحتباس الحراري مثل خزانين من الوقود من سيارة عائلية متوسطة، نتيجة لذلك، تجاوزت انبعاثات ثاني أكسيد الكربون السنوية من هذه الجنازات 360 ألف طن متري في الولايات المتحدة وحدها.

لذا ترى الشركة الراعية لتنفيذ قانون “سماد الجسم” أو “سماد البشر” أن هذه العملية Terramation تقدم حلاً طبيعيًا لهذه المعضلة المناخية، وإعادة الإنسان إلى الأرض بطريقة حساسة ومستدامة.

3 ولايات أمريكية تطبق ذات القانون

ولكن يبدو أن ولاية واشنطن لن تكون الأخيرة التي تطبق هذه الطريقة فهناك ولايتين أنتهجتا ذات النهج، وهما، كولورادو وأوريجون، وهناك حملة كبيرة لدعم هذا الاتجاه في بعض الولايات الأخرى، حيث يؤكد روب جوف، المدير التنفيذي لجمعية مديري الجنازات بولاية واشنطن حسبما نقل “يورنيوز جرين”: “نسمع أن هناك حوالي أربع أو خمس ولايات إضافية لديها حاليًا تخفيض عضوي طبيعي في دفاترها”.

ويرى المؤيدون لهذه الطريقة أنها بديلة لعمليات حرق الموتى أو دفنهم، علاوة على أنها خيار عملي في المدن التي تندر فيها الأراضي المخصصة للمدافن التقليدية، فبعدما يتحول الجثمان إلى سماد عضوي، يُسمح لأقارب الميت باستلام تلك المكونات التي يمكن استخدامها في زراعة زهور أو خضراوات، أو أشجار.

وأسست كاترينا سبايد، التي أطلقت حملة لدعم إصدار هذا القانون، شركة رعاية الموت باسم “ريكومبوس” (Recompose)، والتي تسمي العملية “إعادة التركيب وتقدم خدمة “تسميد البشر”.

غرف وصناديق استخدام جثث المتوفين في التحلل للتربة كسماد
غرف وصناديق استخدام جثث المتوفين في التحلل للتربة كسماد

وكتبت الشركة التي تديرها، كاترينا سبايد بسياتل في ولاية واشنطن على موقعها الإلكتروني: “نأخذ الإرشادات من الطبيعة، ويوجد في قلب نموذجنا نظام يعيدنا بلطف إلى الأرض بعد موتنا”.

وقالت سبايد لوكالة الأنباء الفرنسية: “يوفر تحلل الجثامين بديلا للتحنيط، أو الدفن، أو الحرق، لأنه حل طبيعي وآمن ومستدام، كما أنه يسهم في الحد من انبعاثات الكربون بصورة كبيرة، ويوفر تربة للزراعة”.، وأضافت أن العملية التي تقوم بها شركتها تتضمن وضع الجثمان في حاوية سداسية الشكل، مليئة بنبات البرسيم، ورقائق الخشب، والقش، ومواد أخرى.

وتُغلق الحاوية ليبدأ تحلل الجثمان بطريقة طبيعية خلال 30 يوما مخلفا كمية من التربة تكفي لملء عربتين من عربات اليد الصغيرة.

وتقول سبايد، إن الأمر استغرق أربع سنوات من البحث العلمي لإتقان هذه التقنية بشكل تام، وأكدت أنه يمكن لأي شخص الاستفادة من الخدمة، حيث قدمت ذلك لأكثر من 100 جثة منذ وضعوا أول بقايا بشرية رسميًا في ديسمبر 2020، داخل منشأة ولديهم كما تقول سبايد حوالي 15 ألف طلب مقدمين من أحياء.

 

سبايد تعرض تربة وسماد جثث بعض المتوفين بعد التحلل
سبايد تعرض تربة وسماد جثث بعض المتوفين بعد التحلل

وصية رئيس أساقفة كيب تاون

وفي أواخر ديسمبر قبل الماضي، توفي رئيس الأساقفة ديزموند توتو عن عمر يناهز 90 عامًا في كيب تاون بجنوب إفريقيا، وهو عالم دين وناشط في الدفاع عن الحريات والحقوق البيئية، وطلب قبل موته أن يتم تسخين جسده، باستخدام الماء ومادة كيميائية دلاً من النار باعتبارها عملية تنتج انبعاثات أقل ولا تحرق الوقود، وهذا ما يسمى Aquamation ، أو ما يسمى “الاختزال العضوي الطبيعي” عبارة عن حركة الدفن الخضراء المتنامية التي قد تسمح للأفراد بتوسيع التزاماتهم نحو الاستدامة حتى بعد الانتقال النهائي.

حضور أحد الجنازات لتحليل الموتى
حضور أحد الجنازات لتحليل الموتى

تجارب سابقة
انتشار بدائل الدفن الصديقة للبيئة في الفترة الأخيرة، تدعمها تجارب سابقة للعودة للطبيعة كما يراها البعض من مؤيدي هذه العملية، ومنها ما تم مع جثمان الممثل الأمريكي الراحل ليوك بيري في 2019، حيث تم دفنه فيما يعرف بـ “سترة فطر عيش الغراب” في ولاية كاليفورنيا، وهي إحدى طرق التحلل الحيوي للجثامين.

ووقتها وضح جاي رهيم، صانع السترة المكونة من مواد طبيعية تتحلل بشكل حيوي، إن هذه الطريقة في الدفن تقلل من المواد السامة والملوثة للبيئة التي تنتج عن تحلل أو حرق الجثامين، ويحدد القانون “المتعلق بالبقايا البشرية” ضوابط التحويل البيولوجي لجسم الإنسان.

كما أن السويد تطبق هذه الطريقة منذ سنوات، باعتبار أنها أكثر الطرق سلامة للبيئة، وطريقة آمنة للتخلص من جثث الموتى بما لا يضر البيئة، حيث يتمكن أقارب الميت من استخدام السماد الناتج عن تدوير الجثة في تسميد حديقتهم أو أشجار بستانهم.

وتعد عملية تسميد البشر من طرق الدفن الشرعية في السويد أيضا، بينما يُعد الدفن “الطبيعي” – أي دون تابوت، أو في كفن قابل للتحلل الحيوي- من الممارسات المشروعة في بريطانيا.

جائحة كورونا والجدل حول طرق التعامل مع الموتى
وجعلت جائحة كورونا الكثير من الناس خاصة في الغرب والولايات المتحدة الأمريكية التفكير في الطريقة التي سيدفن بها، خاصة وأن البعض ربط بين تغير المناخ ونتائج الحرق، والكوارث المتكررة بخاصة أن كثير من كبار السن قد ماتوا بمفردهم في وحدات العناية المركزة بالمستشفيات، وضاقت مقابر المدن من كثرة الوفيات وبعض المدن لم تجد مكانا للمتوفين.

وفقًا لشركة Recompose، يتم حفظ طن متري واحد من ثاني أكسيد الكربون من دخول البيئة لكل شخص يختار التسميد البشري بدلاً من الدفن أو حرق الجثث، وتبرر موقفها بأن التسميد البشري أرخص كثيرًا.

جهاز حفظ وتحليل جثث الموتى
جهاز حفظ وتحليل جثث الموتى

ووفقًا لجمعية مديري الجنازات الوطنية في الولايات المتحدة، يكلف حرق الجثث متوسط 7000 دولار، بينما يبلغ متوسط الدفن التقليدي 7800 دولار، ومتوسط إعادة التكوين 5500 دولار، وهذا يشمل كل شيء من الأعمال الورقية إلى العملية نفسها، لكن التخفيض العضوي الطبيعي لا يزال نادرًا في الولايات المتحدة، فقط ثلاث ولايات هي واشنطن وكولورادو وأوريجون التي أقرته مؤخرا كما تم النظر فيه من قبل عدد قليل من الولايات الأخرى، بما في ذلك كاليفورنيا ونيويورك وماساتشوستس.

معارضة شديدة 

وهذه الطريقة واجهت ومازالت تواجه الكثير من الأصوات الرافضة، خاصة من الكنيسة، وكذا من المدافعين عن حق الحياة الذين يعتبرون أن الأمر تجاري إلى حد كبير، ويفقد الموتى خصوصيتهم وكرامتهم، وتهديد حقيقي للنظام التقليدي لدور الدفن، حتى أن الأمر وصل إلى مسئولي شركات ومؤسسات الجنازات وبعض العاملين في قطاع الصحةيرفضون ذلك، ووصفوا الأمر بأنه، بيع وشراء الوهم للناس تحت عبارة “مكافحة التغير المناخي”!

القانون يجد صعوبة في التمرير في نصف الولايات الأمريكية تقريبا، وخاصة ولاية نيويورك، ويوجد قانون يحد على وجه التحديد من الأساليب المسموح بها قانونًا للتخلص من الرفات البشرية، والنصف الثاني من الولايات لا يوجد إطار قانوني صريح يسمح قانونًا بالاختزال العضوي الطبيعي.

ومن ضمن الأصوات الرافضة، دينيس، المدير التنفيذي لمؤتمر ولاية نيويورك الكاثوليكي، الذي يرى أن أجساد البشر ليست فقط مثل الأشياء غير الحية الأخرى، فهي ليست مجرد قمامة ولهذا السبب لدينا جنازات ودفن ومحارق جنائزية بشكل طقسي في بعض التقاليد، مختتما: “نريد أن نعامل جسم الإنسان باحترام وكرامة”.

وتوضح تانيا مارش، أستاذة القانون بجامعة ويك فورست، أن قانون الجنازات والمقابر الأمريكي متزعزع تمامًا، يجب أن تكون جميع أشكال رعاية الموت قانونية قبل تقديم الممارسة في أي دولة، وترى أن هذا جزء من السبب وراء بطء انتشار الاختزال العضوي الطبيعي.

بقايا تحلل الجسد
بقايا تحلل الجسد

تابعنا على تطبيق نبض

Comments

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى
%d مدونون معجبون بهذه: