الحرب الروسية الأوكرانية.. العالم يلجأ إلى التكسير الهيدروليكي لاستخراج الغاز.. وخبراء البيئة يحذرون

كتب محمد ناجي
لم تقتصر عواقب الحرب الدائرة بين روسيا وأوكرانيا على مجرد اهتزاز الأوضاع بالفعل في هذين البلدين وحسب، لكنها طالت المنطقة والعالم بأسره، حيث ارتفعت أسعار الوقود وقلت المواد الغذائية نتيجة اعتماد بعض الدول على القمح الوارد من موسكو وكييف, ونتيجة لذلك بدأت الدول تقليل الاعتماد على الغاز والقمح الروسي والأوكراني واللجوء إلى أسليب مضرة بالبيئة لاستخراج الغاز والنفط من باطن الأرض.
ومكَّنت الابتكارات الحديثة في مجال التكسير الشركات المنتجة للغاز الطبيعي والنفط من اكتشاف كمٍ هائلٍ من مصادر الإمداد بالطاقة محتبسة بين مصادر صخرية “صلبة” مثل حقول النفط الصخرية، وبالرغم من أن تقنية التكسير الهيدروليكي لها المردود الاقتصادي الواضح, إلا أنها أصبحت قضية تثير الجدل والقضايا البيئية في الفترة الأخيرة، وباتت تحت مراقبة دولية بالإضافة إلي أن بعض الدول علقت استخدامه وحظرته بسبب المخاوف البيئية وتأثيره علي الصحة العامة.
تعريف التكسيرالهدروليكي
التكسيرالهدروليكي هو وسيله لتحفيز استخراج الغاز من الطبقات الغير مسامية عن طريق تدفق سائل بين الصخور في باطن الأرض، وتشمل هذه التقنيات ضخ سوائل غنية بالماء في بئر حتي يسبب ضغط السائل في عمق معين من التربة الي كسر وتشقق هذه الصخور، السائل الذي يتم ضخه يحتوي علي جزيئات صغيرة, مثل الرمال الغنية بالكوارتيز او مواد كيميائية التي تعمل علي خلق الشقوق والكسور في طبقات التربة الغير مسامية.

ألمانيا: علينا تكسير الصخور العميقة
وبحسب تصريحات وزير الاقتصاد الألماني، تحتوي بلاده على كمية كبيرة من الغاز الطبيعي تحت طبقات من الصخور العميقة لا يمكن الوصول إليها إلا عن طريق “التصديع المائي”، لكن للأمر تبعات بيئية وقانونية.
وقال روبرت هابيك: “في سهل شمال ألمانيا، نجلس على كمية كبيرة من الغاز لا يمكن الوصول إليها إلا عن طريق التصديع المائي. سيكون عليك تدمير طبقات الصخور العميقة بضغط كبير ومواد كيماوية لاستخراج الغاز”، موضحاً في المقابل أن “هذا يصعب تحقيقه بموجب قانون المياه لأنه يمكن أن يكون له عواقب سلبية على بيئتنا. وفي الوقت الحالي لا توجد شركات تريد ذلك أيضاً”.
وذكر الوزير أنه علاوة على ذلك سيستغرق الأمر “سنوات للكشف عن استخراجات جديدة للغاز والحصول على التصاريح”، موضحاً أن مجالات استخراج الغاز التقليدية في ألمانيا “استنفدت إلى حد كبير”، مشيراً إلى أن من شأن ذلك أن يساعد على زيادة الإنتاج على المدى القصير والاستغناء مبكراً بالتالي عن الغاز الروسي، وقال: “لكن هذا لن يحل مشكلاتنا”.

كولومبيا تسمح بالتكسير الهيدروليكي
منحت السلطات البيئية في كولومبيا الضوء الأخضر لمشروع تجريبي باستخدام التكسير الهيدروليكي، قدّمته شركة النفط الحكومية إيكوبترول، على الرغم من وجود اعتراضات من النشطاء البيئيين.
وتعدّ هذه الموافقة التي حصل عليها مشروع “كالي”، في شمال شرق بلدية بويرتو ويلتشس، الأولى لمشروع التكسير الهيدروليكي التجريبي في كولومبيا
بريطانيا تعتبره وسيلة مطروحة
وفي هذا الإطار، قال المتحدث الرسمي باسم رئيس الوزراء البريطاني، إن العودة إلى التكسير الهيدروليكي ﻹنتاج النفط والغاز هو من أحد الخيارات المطروحة.
وأثار الابتعاد عن النفط الروسي جدلاً حول كيفية استبدال الواردات الروسية، فقد قام بعض أعضاء مجلس النواب، حزب “المحافظين” بمطالبة المملكة المتحدة بشكل حثيث للعودة إلى التكسير الهيدروليكي ﻹنتاج النفط والغاز وتوسيع نطاق التنقيب في بحر الشمال، بينما دعا الناشطون المناخيون والمحللون في مجال الطاقة الحكومة إلى تسريع انتقالها إلى مصادر الطاقة المتجددة [البديلة] وعزل المباني البريطانية بشكل أفضل.
أمريكا تستخدم تقنية التكسير الهيدروليكي
يشار إلى أن تقنية التكسير الهيدروليكي لا تزال تُستخدم في الولايات المتحدة وتسببت في ثروة للنفط الصخري في البلاد رغم ضررها الكبير على البيئة وهو ما دفع التكتل الأوروبي إلى حظرها منذ وقت طويل.
الأثار البيئية لعمليات التكسير الهيدروليكي
ويرى نشطاء البيئة أن استخدام التكسير الهيدروليكي لاستخراج الغاز يزيد من انبعاثات غاز الميثان العالمية وهو من الغازات الدفيئة شديدة القوة حيث تسهم في زيادة الاحترار العالمي بحوالي 85 مرة أكثر من تأثير ثاني أكسيد الكربون خلال فترة عشرين عاما.
وطلب الأمين العام السابق للأمم المتحدة من المملكة المتحدة عدم رفع الحظر عن التكسير الهيدروليكي ﻹنتاج النفط والغاز في محاولة لتعزيز مرونة الطاقة، في أعقاب الاجتياح الروسي لأوكرانيا.
وقال بان كي مون، إن العودة إلى استخراج الغاز الصخري، كما هو مطروح للنقاش من قبل الوزراء، لن تصب في “مصلحة البشرية على المدى الطويل”.
وبالرغم من أن تقنية التكسير الهيدروليكي لها المردود الاقتصادي الواضح, إلا أنها أصبحت قضية تثير الجدل والقضايا البيئية في الفترة الاخيرة، حتى حظرته بعض الدول بسبب المخاوف البيئية وتأثيره علي الصحة العامة.
وقد شملت هذه المخاوف المخاطر الناتجة علي الطبيعه الميكانيكية للأرض مثل تلوث المياه الجوفيه, تلوث الهواء, هجره المعادن والغازات الجوفيه في الأرض إلي سطح الأرض وأيضا قصور الإدارة البيئية للنفايات.
كما أن حقن كميات كبيرة من الماء المضغوط في بئر قد يؤدي إلي تغير في الوضع الطبيعي للصخور وتغير من الميول الطبيعية للشقوق, إما تزيد في حجمها او يحدث اخطاء انزلاقيه اخري مما يؤثر علي احتمالية نشاطات زلزالية في المنطقة.
ووفق لبيانات مركز Tyndall لأبحاث تغير المناخ, فإن انبعاثات غازات ثاني أكسيد الكربون الثقيلة ترجع إلي المعدات المستخدمة في عملية ضخ السائل داخل الطبقات الصلدة لحدوث الشقوق والشروخ بها, بما في ذلك المعدات اللازمة للخلط بين المواد الكيميائية وكسر الرمال التي يتم ضخها من خزان, وكبس الهواء المضغوط, وحقن المواد المخلطه داخل وخارج البئر.
وتعد هذه العملية بمثابة مستهلك قوي جدا لمصادر المياه بالمنطقة، حيث أن العديد من ملايين الجالونات من السوائل يتم حقنها تحت باطن الأرض في طبقات صلدة وتحت ضغط عالي جدا فيتم التحطيم والتكسير لهذه الصخور الصلدة والتي تعد بمثابة المصيدة التي تحوي بها الغاز الطبيعي و الزيت، وتعد نقطة توافر هذه الكميات الهائله من المياه نقطة خلافية لدول المنطقة، حيث أن مصادر المياه في الخليج العربي وخاصا في بعض أماكن التنقيب تعتبر شحيحة.

الزلازل والتكسير الهيدروليكي
قام فريق بحثي كندي ألماني بتوثيق نوع جديد من الزلازل في البيئة المحيطة بآبار التكسير الهيدروليكي لاستخراج النفط والغاز في كولومبيا البريطانية، وعلى عكس الزلازل التقليدية من نفس الشدة، فقد وصفت تلك الزلازل بأنها أبطأ وتستمر فترة أطول.
وذكرت دراسة نشرت بدورية نيتشر كوميونيكيشن Nature Communications أن تلك الهزات الأرضية المكتشفة حديثا تعتبر نوعا جديدا من الزلازل التي تنتج عن عملية التكسير الهيدروليكي المستخدمة لاستخراج النفط والغاز غرب كندا.