الجزائر وأنجولا والكونغو وقطر.. بدائل أوروبا للهروب من مصيدة الغاز الروسي
الاتحاد الأوروبي يواجه مشكلة متوسطة المدى ومصادر الطاقة المتجددة وتنويع المصادر الحل الأمثل ..

كتب مصطفى شعبان
يمثل الغاز الروسي 3 % فقط من الإمدادات الأمريكية المستوردة، و5 % من الإمدادات المستوردة من المملكة المتحدة، إلا أن الاتحاد الأوروبي يعتمد على نسبة هائلة تبلغ 40%، فبعض الدول من دول الاتحاد الأوروبي تعتمد علي الغاز الروسي بشكل غير متناسب على هذه الصادرات، فتشكل إمدادات الغاز الروسي في صربيا 89 %، وفي فنلندا تبلغ 94 % (على الرغم من أن الغاز لا يشكل سوى 5 % من مزيج استخدام الطاقة في المجموع) وتعتمد البوسنة والهرسك على 100 %.
على الجانب الآخر، تعتمد روسيا بالمثل على الاتحاد الأوروبي، فوفقا لشركة الاستشاراتThunder Said Energy ، بلغ إجمالي صادرات روسيا في 2019 ، 425 مليار دولار، ويشكل الغاز نسبة كبيرة تصل 13% أكثر من 50 مليار دولار من صادرات الغاز تتجه إلى أوروبا من روسيا ، مما يجعلها أكبر عميل للشركات الروسية، بناءً على تقرير تحليلي صادر عن معهد توني بلير للتغيير العالمي.
وعليه فكما يعتمد الاتحاد الأوروبي على روسيا في بعض مواردة من الطاقة فإن الأخيرة تعتمد علي الاتحاد الأوروبي في بعض من مستلزماته الأساسية.. فلماذا حدثت أزمة عالمية في الأسعار وتهديد عالمي لإمدادات الطاقة؟ وما هي الدول التي يمكنها تعويض الغاز والطاقة الروسية وتعويض خسائر الاتحاد الأوروبي، بخاصة أن الشركات الأوروبية الكبرى في مجال الطاقة والغاز تعمل بشكل كبير في أغلب قارات العالم ومناطق الوفرة والاحتياط الأعلى في العالم؟

الاتحاد الأوروبي هو مشكلة متوسطة المدى
وفقًا لتقرير معهد توني بلير، فإن ما يواجهه الاتحاد الأوروبي هو مشكلة متوسطة المدى، فعلى المدى القصير، لديها الاحتياطيات والقدرة على إدارة فقدان الغاز الروسي، وعلى المدى الطويل، على دول الاتحاد الأوروبي الانتقال إلى محفظة أكثر تنوعًا من مصادر الطاقة، وهي مصادر الطاقة المتجددة.
الإدارة الأمريكية مؤخرًا أعربت عن ترددها بشأن تصدير المزيد من النفط والغاز إلى أوروبا، بسبب مخاوف المناخ، ومع ذلك، فإن منتجي الغاز الطبيعي في الولايات المتحدة على سبيل المثال لا يتفقون مع هذا، فتوبي رايس، الذي يدير أكبر شركة منتجة للغاز الطبيعي في الولايات المتحدة قال إن بلاده يمكن أن تحل محل الإمدادات الروسية بسهولة.
وقال: “لدينا القدرة على فعل المزيد، والرغبة في فعل المزيد”، مقدّرًا أن الولايات المتحدة لديها القدرة على مضاعفة إنتاجها من الغاز بمقدار أربعة أضعاف بحلول عام 2030.

يتم إنتاج الغاز الطبيعي المسال بكميات ضخمة في الولايات المتحدة ويمكن أن يساعد أوروبا على المدى المتوسط، ففي الشهر الماضي، احتلت أوروبا المرتبة الأولى في استيراد الغاز الطبيعي المسال الأمريكي للشهر الثالث على التوالي، حيث استحوذت على ما يقرب من ثلاثة أرباع الصادرات، وفقًا لتقرير وكالة رويترز .
النرويج
أظهر تحليل أجري في عام 2019 أن ما يقرب من ثلاثة أرباع واردات الاتحاد الأوروبي من الغاز الطبيعي تأتي من روسيا، لكن 16% تأتي من داخل الكتلة الأوروبية في النرويج. فهل يمكن للنرويج أن تقدم المزيد، الآن بعد أن أصبح الغاز الروسي بعيد المنال؟
يُزعم أن النرويج يمكن أن تزيد صادرات الغاز إلى القارة بما يتراوح بين 15مليار و30 مليار متر مكعب بحلول نهاية العام.

تم ذكر حقل Skarv الذي تديره شركة Aker BP في البحر النرويجي كمرشح محتمل لزيادة إنتاج الغاز، هناك أيضًا إمكانية لتصدير المزيد من الغاز المسال من منشأة هامرفست للغاز الطبيعي المسال في شمال البلاد، ومع ذلك، لا تزال هناك قيود، تقول مصادر حكومية في المنبع إن إنتاج الغاز في النرويج اقترب من الحد الأقصى، بموجب اللوائح الحالية، حيث قد لا تكون قدرة خط الأنابيب الحالية قادرة على التعامل مع الزيادة.
الجزائر
قال وزير حكومي إسباني لوكالة بلومبرج الأمريكية، إن الجزائر مستعدة لإرسال المزيد من الغاز الطبيعي إلى الاتحاد الأوروبي، وقد كشف تقرير 2019، أن 8 % من واردات الاتحاد الأوروبي من الغاز تأتي بالفعل من الجزائر، وفي الأسبوع الماضي، أعلنت شركة Enagas الإسبانية المشغلة لشبكة الغاز، أنها تعمل مع الجزائر على التوسيع المخطط لسعة خط أنابيب Medgaz ، مع إجراء الاختبارات حاليًا، تتضمن الخطة زيادة السعة المحتملة إلى 10.7 مليار متر مكعب في السنة.

وزير الخارجية الإيطالي زار الجزائر نهاية شهر فبراير الماضي ورافقه عدد كبير المديرين التنفيذيين لقطاع الطاقة في إيطاليا، وقبلها زار الدوحة، لمناقشة التعاون في ضوء الأزمة الأوكرانية.
وعقب الزيارة ، خرج وزير الخارجية الإيطالي لويجي دي مايو، وكبار مسئولي قطاع الطاقة والشركات إلى برازفيل في الكونغو، قائلا” إن بلاده خلال شهرين ستزيد وارداتها من الغاز من كل من قطر والجزائر والكونغو وإنجولا” ، وقال عبر تويتر قبل سفره من أنجولا” لقد عززنا شراكة الطاقة بين بلدينا”والتي تؤكد الحاجة إلى تجنب الحرب الروسية في أوكرانيا على العائلات والشركات الإيطالية”.
إيطاليا هي الدولة الأوروبية الرئيسية التي تقود الطريق عندما يتعلق الأمر بالتعاون مع أنجولا. سافر وزير الخارجية لويجي دي مايو إلى الدولة الإفريقية مع رئيس مجموعة الطاقة إيني ، كلوديو ديسكالزي، وقال دي مايو لتلفزيون “راي” الحكومي في مقابلة “الجزائر وقطر والكونجو وأنجولا أعطت استعدادها لزيادة كميات الغاز.”
قطر
رغم عدم امتلاك الدوحة كميات كافية من الغاز الطبيعي المسال لتصدير المزيد إلى أوروبا، فهي جاهزة لإمدادات الغاز لأوروبا وخاصة ألمانيا التي زار وفد حكومي ومسئولي شركات الطاقة في ألمانيا للعاصمة القطرية للاتفاق على التحرك السريع لتوفير الإمدادات النفطية وخاصة الغاز المسال لألمانيا، وأيضا كانت قطر في 2021، سلمت كمية إضافية من الغاز الطبيعي المسال إلى المملكة المتحدة، والتي كانت في البداية موجهة إلى المملكة المتحدة ذهبت إلى آسيا لمساعدة الحكومة البريطانية على تلبية الطلب الحالي، وقد عُرض على الدوحة وضع “مورد الملاذ الأخير” كمكافأة.

ووفقًا لمحلل الغاز في S&P Global Platts، جيمس هوكستيب، لا يزال بإمكان قطر أن تلعب دورًا مهمًا إذا أرجأت أعمال الصيانة المخطط لها من أجل زيادة العرض.
تحدث وزير الاقتصاد الألماني روبرت هابيك، الذي يزور عددا من دول الخليج لبحث إمدادات الطاقة على المدى الطويل، اليوم الاثنين عن تدفق الثروة الروسية الى قطر مشيرا الى انه تحدث مع مسؤولين قطريين بشأن الامر في ظل جهود غربية للضغط على الروس بسبب غزوهم لاوكرانيا.
الوزير الالماني قال إنه تم التوصل إلى شراكة طويلة الأمد في مجال الطاقة في حين قالت قطر إن البلدين سيعودان للمشاركة في المناقشات بشأن إمدادات الغاز الطبيعي المسال وإحراز تقدم فيها.

وكشفت وزارة الاقتصاد الالمانية في بيان اليوم ،إن شركتي هيدروجينيوس ويونيبر الألمانيتين ستدخلان إلى جانب شركة بترول أبوظبي الوطنية (أدنوك) وجيرا اليابانية في مشروع تجريبي مشترك لنقل الهيدروجين.
وفي مدينة مصدر في أبوظبي، حيث تفقد هابيك مشروعا للطاقة الشمسية، قال الوزير إن الشركات الألمانية ستوقع خمس مذكرات تفاهم تتعلق بأبحاث وتطوير الهيدروجين.
ومن المتوقع أن يجري الوفد الألماني محادثات مع شركة بترول أبوظبي الوطنية (أدنوك) ومع وزير الطاقة الإماراتي.
أنجولا
وقعت شركتا النفط والغاز العملاقتان BP و Eni للتو اتفاقية لتشكيل شركة مستقلة جديدة بنسبة 50/50 في أنجولا. وتقول رويترز إن شركة بريتيش بتروليوم تقترب الآن من بيع حصتها في مشروعين رئيسيين للغاز في الجزائر لشركة إيني.
قالت مصادر، إن تغيير الملكية في محطتي الغاز في جنوب الجزائر سيساعد إيني في تطوير البنية التحتية للطاقة في الجزائر وتصدير الغاز إلى جنوب أوروبا عبر خطوط الأنابيب.
الطاقة الجديدة هي الحل
على المدى الطويل، لا يوجد أمام الاتحاد الأوروبي إلا التحرك نحو الطاقة المتجددة، من ناحية لكبح تغير المناخ الكارثي وتنفيذ تعهدات صافي الصفر وإزالة الكربون ، ومن جانب أهم حاليا هو الاندفاع الفوري لضمان المزيد من أمن الطاقة والتخلص من الوحش الروس، على سبيل المثال، أعلنت إيطاليا للتو أنها تبني ست مزارع رياح جديدة في محاولة للابتعاد عن الاعتماد على الغاز الروسي.
هناك مجال كبير لبناء قطاع الطاقة المتجدد، لا سيما من خلال موصلات أوروبا وآسيا وأوروبا وأفريقيا (الكهرباء) في شرق البحر الأبيض المتوسط ، وفقًا لتقرير صادر عن معهد توني بلير للتغيير العالمي.
يجب على الاتحاد الأوروبي أن يمضي قدمًا في خططه الحالية لزيادة أهداف الطاقة المتجددة والحد من اعتماده العام على جميع الغاز، وليس فقط من روسيا.

ويخلص التقرير إلى أن “القادة يجب أن يعتبروا العدوان الروسي بمثابة علامة تحذير تمس الحاجة إليها بأن البلدان بحاجة إلى التنويع بعيدًا عن الوقود الأحفوري، ليس فقط لأسباب بيئية ولكن لأسباب جيوسياسية أيضًا”.
أحد أكبر منتجي الغاز الطبيعي المسال في العالم، إنه لا يمكن لدولة واحدة أن تحل محل الإمدادات الروسية إلى أوروبا ، حيث ترتبط معظم الكميات بعقود التوريد طويلة الأجل.
ولكن يمكن تشجيعها على المساعدة على المدى المتوسط. وبحسب معهد الشرق الأوسط غير الربحي، فإن أي محاولة من جانب الدوحة لمساعدة الأوروبيين في تنويع مصادرهم من الغاز الطبيعي أو تعويض النقص في الغاز الروسي “ستحقق بلا شك بعض الفوائد الاقتصادية والسياسية”.
تعليق واحد