التمويه الأخضر.. كارثة تهدد تدفق الأموال للشركات بناء على تعهداتها البيئية
المستثمريون ضخوا 142.5 مليار دولار في الصناديق المستدامة في الربع الأخير من العام الماضي

كتب مجدي على
وسط أزمة التغير المناخي التي تهدد العالم تسارع الشركات في الإعلان عن تعهدات بيئية من شأنها الحد من تفاقم الأزمة .. وبالرغم من زيادة وتصاعد هذه الإعلانات التي تبعث على التفاؤل حول إنقاذ الكوكب، إلا أن المخاوف بشأن ممارسة “التمويه الأخضر” تتزايد هي الأخرى.
وقد شهد العام الماضي، دعوى قضائية أقامتها مدينة نيويورك ضد إكسون موبيل وشل وبرتش بتروليوم، وكذلك مجموعة الصناعة التابعة لمعهد البترول الأمريكي بسبب مزاعم بالإعلان الكاذب والممارسات التجارية الخادعة.
وقالت المدينة، إن الشركات تنفذ ممارسات «التمويه الأخضر» من خلال إقناع المستهلكين زوراً بأن هذه الشركات صديقة للبيئة، وتطالب الدعوى الشركات بدفع غرامات.
وتحذر المراكز البحثية باستمرار من مبالغة الشركات في هذه الإنجازات البيئة، أو تقديمها بصورة مغايرة للواقع.
ولذلك هناك جهود كبيرة لمحاولة رصد عمليات ” التمويه الأخضر التي تمارسها بعض الشركات.. فعلى المستوى الأكاديمي قام الأكاديميون في جامعة ” كلية دبلن” بتطوير خوارزميات من شأنها مساعدة قطاع الخدمات المالية، على رصد وتحديد حجم عمليات التمويه الأخضر.
و استخدم فريق يدعو “جرين ووتش” الذكاء الاصطناعي في تكوين خوارزميات تعتمد على مقارنة ما يصدر عن 700 شركة عالمية من بيانات صحفية وما يُنشر عنها على شبكة الإنترنت وشبكات التواصل الاجتماعي، مع البصمة الكربونية الفعلية الصادرة عنها.
هذه المقارنة تستهدف معرفة مدى التزام الشركات بخفض الانبعاثات الكربونية بنسبة 7% سنويا، للوصول لهدف الانبعاثات الصفرية بحلول عام 2050.
وتم تصنيف الشركات ضمن 5 فئات تشمل رائدة بيئيا، وأبطال خضر مجهولون، وذات تصاعد بيئي تدريجي، ومحتملون للتمويه الأخضر، ومرجحون للتمويه الأخضر.

وتوصل الفريق البحثي إلى أن الشركات التي تزعم الريادة البيئية في ممارسة الأعمال، يحتمل أن تمارس التمويه الأخضر، وكانت النتيجة صادمة حيث تبين أن هناك عدد كبير من الشركات يستخدم التمويه الأخضر بدرجات متفاوتة .
ومن ناحية أخرى تعمل هيئات الرقابة المالية في جميع أنحاء العالم على تركيز جهودها لرصد “التمويه الأخضر” المحتمل في قطاع الاستثمار في ظل مخاوف متزايدة من أن رأس المال يتم استثماره بناء على ادعاءات مضللة.
سيل الأموال الخاصة الجديدة التي تم التعهد بها للاستثمار المستدام دفع المنظمين إلى تكثيف العمل لوضع معايير لضمان تقديم البنوك وشركات التأمين ومديري الأصول إفصاحات واضحة حول المؤهلات البيئية للاستثمارات التي يروجون لها.
ومن المقترحات التي تم طرحها من بعض هيئات سوق المال اقترح المنظم البريطاني أن صناديق الاستثمار المصنفة مستدامة يجب أن تقدم نفسها بلغة “موجزة وسهلة” للمستهلكين، جنبا إلى جنب مع الإفصاحات الأساسية الأكثر تفصيلا التي تستهدف في المقام الأول المستثمرين المؤسسيين.
تريد هيئة السلوك المالي أيضا من مديري الأصول تقديم مزيد من المعلومات حول كيفية دمج المعايير البيئية والاجتماعية والحوكمة في عمليات الاستثمار الخاصة بهم.
وقدم الاتحاد الأوروبي متطلبات إفصاح مماثلة في مارس الماضي بموجب “لائحة الإفصاح عن التمويل المستدام”. ستطلب هيئة السلوك المالي الحصول على ردود على مقترحاتها في عملية تشاور عام مقبل قبل نشر القواعد الجديدة.
كذلك أصدر المنظم المالي السويسري توجيهات جديدة تهدف إلى حماية المستثمرين في الصناديق من التمويه الأخضر.
الانضمام إلى جهود المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي والسلطات السويسرية لتضييق الخناق على عمليات التمويه الأخضر هو عمل من قبل المنظمة الدولية لهيئات الأوراق المالية “آيوسكو” Iosco، وهي أداة معيارية عالمية لتداول الأوراق المالية تهدف إلى تنسيق تطوير السياسة بين المنظمين الوطنيين.
ان إطلاق المنتجات المرتبطة بالاستثمار المستدام مجال نمو تشتد الحاجة إليه في الأعوام الأخيرة بالنسبة إلى مديري الأصول، الذين يتعرض كثير منهم لضغوط من متتبعي المؤشرات منخفضي التكلفة. يسمح لهم تصنيف الصناديق على أنها خضراء أو أخلاقية بالاستفادة من موجة ضخمة من طلب المستثمرين وإعطاء تبريرات أفضل للرسوم التي يفرضونها على اختيار الأسهم.

وتشير الأرقام إلى أن المستثمرين قد ضخوا على مستوى العالم 142.5 مليار دولار في الصناديق المستدامة في الربع الأخير من العام الماضي، بزيادة 12 % عن الربع السابق، وفقا لمجموعة مورنينجستار لتزويد البيانات المالية، أدى ذلك إلى رفع إجمالي الأصول المستدامة في جميع أنحاء العالم إلى 2.7 تريليون دولار عبر أكثر من 5900 صندوق، ثلاثة أرباعها في أوروبا. لاحظت مجموعة البيانات أن “مديري الأصول استمروا أيضا في تغيير أغراض توظيف منتجات (الصناديق) التقليدية وإعادة تصنيفها إلى عروض مستدامة”.
جاء جزء كبير من تدفق الأصول من المستثمرين الأفراد الراغبين في إحداث فرق إيجابي في كوكب الأرض أو المجتمع، الذين عادة ما قاموا بهذه الاستثمارات، جزئيا على الأقل، بناء على ادعاءات في وثائق الصندوق أو إعلاناته.
في المملكة المتحدة، واحد من كل ثلاثة جنيهات من صافي مبيعات صناديق التجزئة ذهب في العام الماضي إلى المنتجات “المسؤولة”، وفقا لبيانات من “إنفستمنت أسوسييشن”.
بوجود مجموعة كبيرة من معايير الاستثمار المستدام المختلفة، والمتناقضة في كثير من الأحيان، المعروضة في الأسواق المختلفة، والمنظمين الذين لا يزالون يتحسسون طريقهم في هذا المجال الجديد، غالبا ما اعتمدت شركات صناديق الاستثمار على مزيج من تقييمات الأطراف الثالثة وأبحاثها الخاصة. للترويج لصناديقها، يبدو أنه تم استخدام كلمات غامضة مثل “مستدام” و”أخضر” على نطاق واسع.
لكن هناك عدد من الفضائح التي هزت الصناعة، ما أدى إلى زيادة التدقيق في مثل هذه الادعاءات بشكل حاد، وأثارت هذه الحوادث مخاوف بين الشركات الاستثمارية من زيادة التدقيق القانوني في الادعاءات التي قدمتها.