وجهات نظر

د.أحمد هاني: الأولويات في الإصلاح البيئي

أستاذ بالأكاديمية الطبية العسكرية

 

من أين يبدأ الإصلاح البيئي حتي تتحسن نوعية الحياة وتنعكس علي صحة المواطن، ورفاهيته؟

أولا، يوجد شرطان لابد من توافرهما، لبدء عملية وضع أولويات لإصلاح المشاكل البيئية، الشرط الأول هو توجد خطط مستمره، ودائمة لتحسين نوعية السكان، و الشرط الثاني، هو قدرة الدولة من خلال مراكزها البحثيه، بالتنبوء بشكل المستقبل من أجل تشكيلة بصورة تتوافق مع أوضاعها، وليس بهدف مواجهة مشاكله فقط.

تحسين نوعيه السكان

الإنسان هو الملوث الأول للبيئة، بسوء استخدام مواردها، و بسبب نفاياته، وإقامة منشآت تؤدي إلي التدهور البيئي، و لذلك لابد من تواجد خطط، تشمل تحسين الحالة الصحية، والثقافية للسكان، وتفعيلها مع تواجد طرق قياس سنوي لقياس مدي التقدم في ذلك، وترجمه ذلك في الواقع، تعني الاهتمام بالطب الوقائي، واختيار أكثر الأمراض ضررا، والحد منها، فمثلا وحود الأنيميا بين الأطفال تعني تواجد شباب، وعمالة مستقبلا أقل، في معدلات الذكاء، والقدره علي تحمل الضغوط، و عدم فهم، وتوافق مع خطط الدولة.

كذلك الحالة التعليمية، والثقافية للسكان، فمثلا نجد الوعي بالبيئة، ومشاكلها، بل الوعي بالأزمات بوجه عام منخفض بين السكان، و لزيادة الوعي بالقضايا البيئية، فلابد أن نصل بها بشكل مبسط للسكان، و شرح خطورتها عليهم، و علي رزقهم، ووسائل الاتصال العصرية تجاوزت برامج الإذاعة، والتوجيه المباشر التي يتعامل معها السكان، كإعلانات تعيقه عن متابعة برامج الترفية.

ومن ضمن الحلول، أن تطرح الدولة كتب أونلاين مجانية، وتختار ما ببين من ثلاثة إلي خمسة كتب شهريا، و تشجع الشباب علي القراءة، و يختار الشاب كتاب واحد منهم، يجيب علي اختبار أونلاين، وفي حالة اجتيازه للاختبار، تصرف له مكافئة مالية فورية، فمثلا لو حصل شاب علي مبلغ من خمسن إلي عشرة آلاف جنيه، بسبب قراءى كتاب، بكل تأكيد  سيكررها، و لو رصدت الدولة خمسين مليون جنيه شهريا، أي ستمائة مليون جنيه سنويا للمكافئات، فإن نوعية السكان، و ثقافتهم ستتحسن خلال فتره وجيزة، وهذا المبلغ يعد أفضل استثمار في وقت أصبحت الثقافهةعمله نادرة.

توقع المستقبل ومشاكله

أصبحت دراسة المستقبليات أو Futuristics studies، من أهم العلوم التي تساعد الدولة علي وضع خططها، وهناك نظريتان لدراسة المستقبل..الأولي، هي مجرد توقع المستقبل، والاستعداد للتوافق معه، وحل مشاكله حتي لا يحدث انفصال بين ما تخطط له الدولة، وما سيتواجد فعليا علي الأرض.

والنظرية الأخري تنادي بأن المستقبل هو بالفعل ما نخطط له، و يجب تطويع عوامل تشكيله حتي نصل للشكل المسنقبلي الذي نريده، لا الذي يتم فرضه.

ويجب أن تتواجد آليات دراسة المستقبل، سواء من مراكز بحثية تشمل كافة العلوم، لمعرفة شكل المستقبل، أو بناؤه، وعلي الدوله أن تتبنى إحدي النظريتين للعمل، طبقا لاستراتيجية مستقبلية، و لاتوجد دولة مهما كانت قدرتها أو تقدمها العلمي تستطيع تشكيل المستقبل كاملا، و إنما تختار الدول نظرية التوافق مع المتغيرات في بعض جوانب الحياة أو نظرية تشكيل المستقبل في جوانب أخري.

و عموما اتفق الباحثين علي أن أهم ما يشكل المستقبل، هو نوعية السكان و الانفاق علي الأبحاث العلمية، وتطبيق التكنولوجيات الحديثة، ووسائل التنقل، و الاتصالات، والقدره علي استخدام الطاقة النظيفه، والقدرة علي اإتاج الغذاء، ومنع التلوث البيئي، والتصحر، والقدرة علي التنمية المستدامة.

أولويات التعامل مع المشاكل البيئية

مع تعدد المشاكل البيئية، والأثار المختلفة لها، فيوجد نظريات عديده للتعامل معها، النظريه الأولي، و هي نظريه صفر تلوث، أي لإجبار المنشئات علي عدم تلويث البيئة، مهما تكلف الأمر، وعدم السماح بإقامة أي منشأة تسبب تلوث، وهذه النظرية غير واقعية، وغير عملية.

و النظرية الأخري، هي السماح بالتلوث بقدر يزيد أو ينقص طبقا لأهمية المنتج، أي أن كل سلعة يتم تقييم أهميتها، والسماح للمنتجين بقدر من التلوث، و من يزيد عن القدر المسموح له، يدفع غرامة أو يشتري حقوق تلوث من منتج آخر استطاع تقليل نسب التلوث في مصنعه عن الحد المسموح له، وهذه النظرية تؤدي إلي تحفيز المصانع للإنتاج، ولكن تؤدي لإلي زيادة تكلفة الإنتاج، و ارتفاع ثمن السلع.

و طبقا لهذه النظرية، فإن الحكومات تشدد كل فترة زمنيه علي المنتجين، وتقلل الحد المسوح لهم، وتوجد نظرية أفضل الحلول الممكنة، التي تراعي البعد الصحي للإنسان، و عدم الإنقراض للكائنات الحية من ناحية، والجدوى الاقتصادية من ناحيه أخري في صورة تقليل تكلفة العلاج للأمراض المختلفة، والحفاظ علي الأنواع من الإنقراض حتي يتم الاستفادة بقدر كبير من التنوع الجيني الذي يعد ثروه يتم تسخيرها في إنتاج الأدويه، والغذاء، وعادة تقوم الدول بتبني خليط من الاستراتيجيات.

فمثلا إذا كان مصنع ينتج، وعوادمه لها سمية عاليه علي الإنسان، والكائنات الحية، والنبات، فهنا يصبح سياسة صفر تلوث إجبارية، ويخضع المصنع للتفتيش الدوري.

وكذلك عند إقامة المفاعلات النووية، فلابد أن يكون صفر تلوث، هو السياسه للتعامل مع المفاعلات، وفي المدن الصناعية فللدولة أن تخطط لما يسمي “فقاعة تلوث للمصانع” جميعا في تلك المنطقه الجغرافية، وتعطي كل مصنع نسبة مسموح بها لايتعداها أو يشتري حق تلوث مع تشجيع المصانع علي الإنتاج النظيف، مقابل خفض الضرائب، وإتاحة أكبر قدر من الطاقة النظيفة في تلك المنطقه الجغرافيه، مع إجبار المصانع علي إقامه نظم صحيه للعاملين، تتيح التعامل المبكر مع الأمراض، و مراقبة الحياه البيولوجية للحيوان، والنبات في تلك المنطقة، والتدخل بسبل الإصلاح عند حدوث مؤشر لإنقراض أحدهم، ولتطبيق هذه النظرية.

فلابد من وجود النموذج الاقتصادي الذي يسمح بحساب تكلفة الإنتاج الملوث، وأرباح تقليل التلوث، للوصول لمعادلة، و هي كم تدفع الدولة أو المجتمع ماديا لتكسب علي المستوي البعيد إطالة فترة الحياة المنتجة للعمال، وتقليل استخدام الأدوية، وتقليل الإجازات المرضية، وربحيه نقل الخبرة من جيل إلي جيل، مقيمين بالمال أيضا، و هنا يمكن لمتخذ القرار المضي في سياساته بوضوح.

و مما سبق يتضح أن أولويات التعامل مع المشاكل البيئية هي:

  • مشاكل أو أزمات ذات أولوية عاجله لا تحتمل التأجيل
  •  مشاكل يمكن التعامل معها بأفضل الحلول المتاحة طبقا للتكنولوجيا المتاحة، و الميزانية المسموح بها
  • مشاكل يمكن تفاديها أو التحضير للتعامل المستقبلي معها بحيث نقلل أخطارها

الأولوية العاجلة

تصنف الأولوية العاجلة، هي التي تهدد حياة السكان، وقد تتسبب في وفاة العديد من الأشخاص بصوره سريعة، وتهدد المنشآت بطريقة مباشرة، وأمثلة ذلك الكوارث البيئية من زلازل، وبراكين، و أعاصير، وسيول، كما تشمل تسرب الغازات السامة، والإشعاع من المنشآت الصناعية، مثلما حدث في مصنع بهربال في الهند، سبعينيات القرن الماضي، وتسببت الغازات السامة في مقتل حوالي ستمائه ألف فرد، ومثلما حدث في مفعل تشرنوبيل ثمانينات القرن الماضي.

كما تعد أعمال الإرهاب الكيميائي، و البيولجي من الأعمال التي تستدعي تدخل سريع، ولكي تحتفظ الدول بقدرتها علي معالجة هذه المشكلات، فلابد من تواجد خطة كوارث للدولة، ولكل إقليم منفصل، مع فهم الهيئات الصحية للحوادث المفترضة، و الاستعداد لها، والتدريب الدوري علي مواجهتها، بما يقلل الخسائر، و نظره مقارنة بين أعداد ضحايا الكوارث في الدول النامية، والدول المتقدمة توضح الأمثلة، والاحتفاظ بمخزون من احتياجات الإنقاذ، وتدريب أطقم الإنقاذ.

أفضل الحلول المتاحة

المشكلات مثل تلوث الهواء، و التصحر، و المحافظة علي الأنواع البيولوجية، والحفاظ علي المحميات، ومعالجة الأمراض غير المعدية في الإنسان والحيوان، مثل فقر الدم، أو نقص اليود، أو التعامل مع الجوانب البيئية لمسببات الحساسية، وأنواع السرطان المختلفة، هي مشكلات يصعب إنهائها عل المدي القصير، وإنما يتطلب خطط بين المتوسطة، والبعيدة، كي تؤتي ثمارها، ووضع الأولويات لها عاده يكون بأثر ذلك علي الأطفال أولا ثم الكبار، و أحيانا تكون أولاوياتها طبقا لمعادلة اقتصادية تحسب الخسائر، بسبب المشاكل، وتكلفه الحلول، والبعد الزمني بالسنوات، لنقطه تعادل الخسائر، والتكلفة،

ويتم الاختيار طبقا للاتي:

  • أولا الوصول لنقطه التعادل بين الخسائر والانفاق، والمكسب المتحصل عليه بعد نقطه التعادل
  •  ثانيا المقارنة بين المكاسب و الخسائر في المشروعات المختلفة
  •  ثالثا تواجد الإمكانيه التكنولوجية وإمكانيه تدريب العاملين عليها
  •  رابعا تأثير حل إحدي المشاكل المباشره، و غير المباشره علي المشاكل الأخري

فمثلا مشكله التصحر، وضياع أراضي زراعية، تتسبب في نقص الغذاء، وفقر للأسر المستفبدة من العمل بالزراعة، فبدلا من توجيه الإعانات للأسر، يتم توجيهها لمحاربة التصحر، إما بحفر قنوات أو حفر آبار، أو إقامة موانع تحجب الرمال، والاستمرار في استصلاح الأراضي المجاورو
ومثال آخر لمشكلة تلوث الهواء بالعوادم، و أكسيد الكربون، والنيتروجين، والمعادن الثقيلة، وما ينتج عن ذلك من أمراض الحساسية، و أمراض عصبية، وسرطان.

فالتوجه إلي الطاقه النظيفة، وإنشاء المداخن، ومعالجة العاز المتسرب، ووضع القيود علي بعض أنواع السولار، والبنزين، ينعكس مباشرة علي نسب تواجد، وتزايد هذه الأمراض، وعلي المبالغ المستهدفة لعلاجها، وعلي متوسط العمر المفترض لحديثي الولادة.

استشراف المستقبل

للحفاظ علي البيئه في المستقبل، فلابد أن يكون لنا تصور لشكل المستقبل، ونختار بعض المناطق، و المجالات التي نستطيع التحكم في متغيراتها للوصول إلي المستقبل، وللتعامل معه، واستشراف المستقبل، من أجل البيئه قضية  تشمل العديد، وسنخصص له مقالا خاصا، إلا أن معرفة المستقبل، و شكله يتطلب التالي:

  • أولا: معرفة الزيادة السكانية، ونوعية السكان في المستقبل
  • ثانيا: الاعتماد علي الاحصائيات و معاملات الارتباط بين المشكل لايضاح تأثير كل منها علي الاخري و من هنا لابد أن تكون احصائياتنا دقيقه حتي يمكن البناء عليها بنماذج رياضيه Mathmatical models تمكنا من حساب المتغيرات و معرفه اثر القرارات و تكلفتها لمعالجتها.
  • ثالثا: معرفه أو توقع التكنولوجيات المستقبلية،وتكلفتها، وتكلفة التدريب عليها، وصيانتها حتي يمكننا اختيار منها المناسب والمتاح لتسخيرها لحل المشاكل.
  • رابعا: آراء الخبراء، وذلك باختيار مجموعة من الخبراء مع توفير فرص العصف الذهني Brain storm، ثم التوجه لطريقه دلفي التي تتيح جمع الآراء وتلخيصها لمتخذ القرار
  • خامسا: توفير الأموال اللازمة لإقامة المستقبل، والتعامل مع مشاكله من خلال الاعتمادات المباشرة أو الاستثمار حاليا، وتوجيه الفوائد والعوائد لهذه المشكلات.

الخلاصه

مع تعدد المشاكل البيئية، فنحن أمام نظام معقد يتأثر ببعضه البعض، و لابد من وضع أولويات مع اختيار المشكلات مع معرفة المستقبل، ووضع أهداف قابلة للتحقيق.

تابعنا على تطبيق نبض

Comments

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى
%d مدونون معجبون بهذه: