وجهات نظر

د.رفعت جبر: أزمة المناخ بين طموحات الدول النامية وأطماع الغرب

رئيس قسم التقنية الحيوية - كلية العلوم جامعة القاهرة

لا جدال أن العالم يمر بأزمات وتحديات كان لها أكبر الأثر على اقتصاديات الدول النامية، وخاصة خلال السنوات القليلة الماضية (جائحة كورونا-العملية العسكرية الروسية على أوكرانيا)، ناهيك عن الصراعات الإقليمية والإرهاب وقضايا البيئة الملحة مثل الجفاف والتصحر وندرة المياه والفيضانات والأعاصير والكوارث البيئية.

ويعتقد الكثيرون من العلماء، أن الانبعاثات الغازية الضارة الناتجة من الثورة الصناعية، وحتى الآن هي المسؤول الأول عن قضايا تغير المناخ.

ولاشك، وطبقا للإحصاءات الرسمية الأخيرة عالميا، أن دول الشمال المتقدمة (تطلق حوالي 20% من الانبعاثات الكربونية الضارة) بينما دول الجنوب (تطلق حوالي 5% من انبعاثات غاز ثاني أكسيد الكربون)، وبالرغم من ذلك نجد أن الغرب لم يفي بتعهداته نحو الدول النامية وحاصة أفريقيا، والذي ألزمته اتفاقية باريس 2015م بضرورة تقديم تعويضات تبلغ 100 مليار دولار فى الفترة من 2010- 2020م، وتعويضات طويلة الأجل سنوية قدرها 100 مليار دولار سنويا للدول النامية الأكثر تضررا من التغيرات المناخية جراء النشاط الصناعي الهائل للدول الصناعية العشرين، (وتتضارب الإحصاءات الرسمية! حيث تشير الدول المانحة إلى حصول الدول النامية على 870 مليار دولار، بينما تنفى الدول النامية ذلك وتؤكد حصولها على 40 مليار دولار فقط).

أطماع الاستيلاء على ثروات إفريقيا

إن أطماع الغرب لم تتوقف حتى يومنا هذا في الاستيلاء على ثروات أفريقيا، رغم الوعود المتكررة منه، بالدعم المالي والتكنولوجي لدول أفريقيا وقد نري الآن أطماع الغرب متجسدا فى أحادية القطب الذي يقود العالم، حتى لو أجج الصراع في أوكرانيا، لتحجيم روسيا ثم مواجهة الصين منفردة.

ولن يفيد العالم التهرب من مسؤوليته والقاء اللوم على الصين حاليا (حيث أصبحت الدولة الأولى على مستوي العالم فى إطلاق غاز ثاني أكسيد الكربون وتتبعها الولايات المتحدة فى المركز الثاني).

ومن الواضح أن الوعي العالمي فى تنامي، وأن تحالفات مثل مجموعة شنغهاي، ومجموعة بريكس قد تلعب دورا مهما فى التوازن العالمي فى حال نجاح روسيا فى الخروج من الفخ الأوكراني، والصين من الفخ التايواني بسلام، والذي نصبته لهما أمريكا وبريطانيا مع انصياع أوروبي قد تكون نتائجه وخيمة على كامل أوروبا وبالتالي على غالبية دول العالم النامي.

العرب وتغيير المعادلة

ونأمل مع عودة ظهور مصر كقوة إقليمية أفريقية وشرق أوسطية والنهج المتوازن من القيادة السياسية مع جميع دول العالم، أن نستطيع تغيير المعادلة نوعا ما ونأمل أيضا أن يكون مؤتمر المناخ COP28 بدبي استكمالا للنجاح الذي تم في مؤتمر شرم الشيخ COP27، ويكونا فاتحة خير على المنطقة العربية وإفريقيا وجميع دول العالم.

ومن الواضحk أن هذا الصراع الجيوسياسي والاقتصادي قد أدي إلى زيادة استخدام الفحم الحجري الذي يزيد من الإنبعاثات الغازية من ثاني أكسيد الكربون، على حساب الغاز الطبيعي الروسي، والذي بدوره يزيد من ظاهرة الإحتباس الحراري التى تضر بالإنسان والحيوان والمحاصيل وتدفع إلى المزيد من التصحر والجفاف وندرة المياه والعواصف والكوارث الطبيعية وانتشار الأمراض والأوبئة المستجدة.

إضافة إلى تهديد الاراضي المنخفضة بالتملح نتيجة ارتفاع متوسط سطح البحر وغرق بعض المدن واختفاء الجزر.

ودعونا نستعرض بعضا من طموحات دول الجنوب (آخذين مصر كنموذج مثالي لأفريقيا) والمستندة فيها إلى معاهدات واتفاقيات دولية، وهي كالتالي: –

أولا: البنك الدولي

تشير تقارير البنك الدولي أنه بحلول عام 2050م سوف يتم ارتفاع متوسط درجات الحرارة في معظم بلدان الشرق الأوسط وآسيا الوسطي، وندرة المياه.

وقد يؤدي ذلك إلى حدوث هجرة داخلية للسكان وخاصة في منطقة أفريقيا جنوب الصحراء (ما يقارب من 86 مليون نسمة) وشمال أفريقيا (ما يقارب من 19 مليون نسمة)، وفى منطقة شرق آسيا (ما يقارب من 49 مليون نسمة)، وجنوب آسيا (ما يقارب من 40 مليون نسمة)، وأمريكا اللاتينية (ما يقارب من 17 مليون نسمة)، وشرق أوروبا وآسيا الوسطي (ما يقارب من 5 ملايين نسمة).

ولذلك ، فقد أعلن البنك الدولي عن خطة عمل بشأن تغير المناخ

وتهدف إلى تحقيق التالي:-

  • تقديم مستويات قياسية من التمويل المتعلق بالأنشطة المناخية بالبلدان النامية.
  • الحد من الانبعاثات وتعزيز التكيف المناخي.
  • زيادة الاستثمار في المشروعات الخضراء.
  • مساعدة البلدان المعنية في دمج الأهداف المناخية والإنمائية فى ذات الوقت.

في مصر 2018م، مول البنك الدولي مصر لتخفيض انبعاث غازات الإحتباس الحراري وإدارة المخلفات الصلبة عن طريق الشركة المصرية لتدوير النفايات الصلبة (إيكارو).

وفى 2020م، تم مساندة جهود مصر، بمشروع آخر لمكافحة تلوث الهواء في القاهرة الكبرى وتقليص انبعاثات غازات الاحتباس الحراري من المركبات بقيمة 200 مليون دولار.

ثانيا: مؤسسة بنك الاستثمار التابعة للاتحاد الأوروبي

  •  تمويل المشروعات الخضراء فقط.
  • تقديم مساعدات لبلدان الشرق الأوسط وشمال أفريقيا لمشروعات المناخ وإصلاح السياسات البيئية بقيمة 10 مليار دولار.
  •  تمويل القطاع الخاص بقيمة 2 مليار دولار للقطاع الخاص في تلك البلدان أيضا.
  •  توقيع 3 اتفاقيات مع بنوك «الأهلي» و«مصر» و«القاهرة» لتوفير 140 مليون يورو لتمويل مشروعات صديقة للبيئة ولتحقيق
  • التنمية المستدامة

ثالثا: الوكالة الفرنسية للتنمية

  •  تمويل المشروعات الطاقة الخضراء والتنمية المستدامة في مصر بقيمة تصل إلى 140 مليون يورو عن طريق بنكي الأهلي ومصر.

رابعا: البنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية

  •  الاستثمار في المشروعات المستدامة والصديقة للبيئة وخاصة الطاقة الخضراء.
  •  مول أكثر من 20 مشروعا بمصر بقيمة تجاوزت مليار دولار.

خامسا: البنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية

  •  التزام جدي تجاه المشروعات الخضراء من خلال عمله في قطاعات البنية الأساسية مثل النقل والطاقة المتجددة وكفاءة الطاقة.
  •  دعم المشروعات الاستثمارية في القارة الأوروبية من خلال مشروعات للتصدي للتحديات الاقتصادية والاجتماعية الناتجة عن تغير المناخ بحوالي 10 مليارات يورو.
  •  توفير 17.5 مليار يورو على شكل منح من الاتحاد الأوروبي متاحة للمناطق الأكثر تضررا.
  •  زيادة التعاون مع مصر فى هذا الإطار.

سادسا: البنك الأفريقي للتنمية

فى تقرير البنك الأفريقي عن مجهودات مصر في مجال التغيرات المناخية، فقد أشاد بتعاملها الإيجابي وحرص على التعاون معها ودعمها بشتى الفرص من خلال نقاط واضحة وإيجابية من خلال تقرير مفصل، أكد فيه التالي: –

– إن مصر شديدة التأثر بتغير المناخ، نظرا لطبيعة أرضها الصحراوية فى الغالب، علاوة على ذلك يعتمد عدد سكان البلاد الكبير والمتزايد بشكل كبير على نهر النيل للحصول على المياه العذبة.

– إن أكثر القطاعات حساسية وتأثراً بمسألة الاحترار العالمي في مصر، تلك التي تتمثل فى الصحة والمياه والزراعية، وهى التي يجب أن تتركز فيها جهود التكيف والتخفيف، وتابع أن الحكومة المصرية بذلت جهودا وقامت بتقييم قابلية التأثر بتغير المناخ وآثاره على القطاعات الرئيسية وطرح نهجا وتدابير لتعزيز مرونتها.

– إن قطاعات الطاقة والنقل والنفايات والصناعة أيضا تعد فى صميم إجراءات التخفيف فى مصر والتزامها بالانتقال إلى مستقبل منخفض الكربون، مضيفا أن القاهرة كانت قدمت مساهمتها المقررة المحددة وطنيا في عام 2017م كجزء من اتفاقية باريس بشأن تغير المناخ تم تفعيلها في عام 2020م، وهى مشروطة بالحصول على تمويل دولي بقيمة 73 مليار دولار.

– الدولة المصرية تخطط للاستفادة من تنظيم الدورة السابعة والعشرين لمؤتمر الأطراف والشعور العام بالإلحاح في المجتمع الدولي من حيث تسريع العمل المناخي لتعبئة الموارد اللازمة لبناء القدرة على التكيف مع تغير المناخ.

– إن الارتقاء بالمساهمات المحددة وطنيا إلى المستوي التالي وتحديد تدابير أكثر تحديدا وقياسا في القطاعات الرئيسية، جنبا إلى جنب مع بيئة تمكينية محسنة للقطاع الخاص، يمكن أن تساعد على جذب المزيد من التمويل المتعلق بقضايا المناخ.

– إن رؤية مصر 2030م تتضمن نهج إعادة البناء بشكل أفضل، مع الاعتراف بأهمية وإلحاح التعامل مع القضايا المناخية والبيئية فى أقرب وقت ممكن كجزء من جهود التعافي من جائحة كوفد- 19.

– علاوة على ذلك، أكملت الحكومة المصرية للتو إطار عمل «استراتيجية التعافي الأخضر»، وتشمل القطاعات ذات الأولوية للاستثمارات الصديقة للبيئة من قبل القطاع الخاص بما فى ذلك تحويل النفايات إلى طاقة، وإدارة النفايات وإعادة التدوير والسياحة البيئية والمناطق المحمية الطبيعية والطاقة المتجددة، والنقل المستدام وبدائل المواد البلاستيكية ذات الاستخدام الواحد.

مع دمج القضايا الشاملة الخاصة بالنوع الاجتماعي والبيئة وتغير المناخ والحوكمة.

– ولذلك فإن البنك سوف يدعم مصر في مكافحة الآثار الناتجة عن تغير المناخ والتخفيف من تأثيرها من خلال المبادرات الشاملة التي يمكن تطبيقها فى السياق الأفريقي.

– ويستفيد البنك من قدرته على الدخول في حوار مع صانعي السياسات فى جميع أنحاء القارة واستكمال الموارد المالية والتقنية اللازمة من الشركاء الدوليين الآخرين للسماح بتنفيذ المبادرات المذكورة سابقا.

– ويسعى البنك إلى تسهيل وصول مصر إلى الصناديق العالمية المتعلقة بالمناخ والبيئة، كجزء من الإطار الاستراتيجي الجديد لتغير المناخ والنمو الأخضر الذى سيتم اعتماده قريبا والذى يتكون تغير المناخ والتخفيف من تأثيره من خلال المبادرات الشاملة التي يمكن تطبيقها في السياق الأفريقي خلال خطط خمسية (2021- 2025م & 2025- 2030م).

سابعا: مجهودات حكومية مصرية

من ضمن الجهود التي تقوم بها الدولة للتحول للاقتصاد الأخضر، وتنفيذ الاستراتيجية الوطنية للتغيرات المناخية 2050م، ودعم رؤية الدولة التنموية 2030، أطلقت وزارة التعاون الدولي جولات من المشاورات المتنوعة مع مؤسسات التمويل الدولية وشركاء التنمية متعددي الأطراف والثنائيين لمناقشة برنامج “نُوَفِّي ” للتمويل والاستثمار في مشروعات المناخ وفقا لمنهج متكامل بين قطاعات المياه والغذاء والطاقة والذي أطلقته الوزارة سابقا.

كما تعمل مصر وأفريقيا مع أوروبا على إنتاج الهيدروجين الأخضر باستثمارات تبلغ حوالي 55 مليار دولار، نصيب مصر وحدها حوالي 15 مليار دولار.

تابعنا على تطبيق نبض

Comments

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى
%d