د.أحمد هاني: التعامل مع الكوارث وتقليل الخسائر
أستاذ الحساسية والصدر وطب البيئة بالأكاديمية الطبية العسكرية

في أقل من عام حدث في إقليم الشرق الأوسط عدة كوارث، وتبين عدم استعداد الإقليم لمجابهة وإحتواء تلك الكوارث، بما يقلل الخسائر في الأرواح والمنشآت.
وقد اعترف الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، أن هناك مخالفات في الأبنية في مناطق الزلزال، ووعد بمحاسبة أصحاب تلك الأبنية ومسئولي المحليات، ولكن الحل يكمن في تواجد منظومة متكاملة تعمل علي تقليل الخسائر واستعادة الحياة سريعا في المناطق المنكوبة.
وعند المقارنة بين دول العالم الثالث والدول المتقدمة نجد أن الخسائر في المنشآت والأرواح أقل بكثير في العالم المتقدم، والأسباب ترجع لتوافر أطقم إنقاذ مدربة بأجهزة متطورة، كما أن السكان منذ طفولتهم يتم تدريبهم في المدارس علي التصرف السليم عند حدوث الكارثة، وعلى نقل المصابين خاصة المصابين بكسور عظام بطريقة صحيحة، وكذلك مدربين علي إجراء التصرفات نحو دواعي إنقاذ الحياة.
ونجد أن المباني في الدول المتقدمة مصممة لتتحمل الزلازل والعواصف والفيضانات بدرجة عالية، والحزم في تطبيق أكواد السلامة في المباني، كما أن لاشك أن الإمكانيات في هذه الدول أكبر بأضعاف عن الدول النامية.
ولكن هذا لا يعني أن تستسلم الدول النامية لمقدراتها، وهذا يدعو لمراجعة خطط إحتواء الكوارث والعمل الجماعي لتلافي أوجه القصور، والواقع أن إقليم الشرق الأوسط والبحر المتوسط يحتاج إلي منظمة تتشكل من دوله تكون وظيفتها التنبوء، وإحتواء الكوارث بإمكانيات دول الأقليم مجمعة.
التنبوء بالكوارث:
الكوارث إما كوارث طبيعية أو كوارث من صنع الإنسان والكوارث التي من صنع الإنسان ممكن تجنبها بالصيانة المتكررة، واتخاذ احتياطيات الأمن، أما القدرة علي التنبوء بالكوارث الطبيعية، فمحدودة بالنسبة للزلازل ، ولكن بالنسبة للعواصف والأعاصير والفيضانات، فالتنبوء بها ممكن، لكن قبل حدوث الكارثة بأيام قد تسمح بإخلاء السكان أو تحذيرهم، فمثلا كان معروف أن إعصار دانيال سيضرب ليبيا، ولكن السلطات لم تقوم بإجلاء السكان إلي معسكرات، وقد يكون ذلك بسبب نقص الإمكانيات، ولكن اتضح أن السدود المقامة لمنع السيول لم تقم السلطات بإجراء الصيانة الدورية لها.
السيناريوهات المختلفة
يجب أن تقوم خطط الكوارث علي سيناريوهات تضع كل الاحتمالات، وذلك من خلال نماذج رياضية تحسب العدد المطلوب للخيام و طرق إجلاء السكان، عند حدوث سيول أو أعاصير أو فيضانات أو حتي عمليات إرهابية فجائية، كما يجب تضع فيها خطط الصيانة والحريق للمصانع و المستودعات و أي منشأة تؤثر علي السكان المحيطين، عند حدوث تدمير لها أو مجرد تسرب لمواد خطيرة والتأكد من تنفيذها.
أطقم الإنقاذ:
من الصعب أن تقوم دولة نامية بإعداد عدد كاف من أطقم الإنقاذ مجهزين بالوسائل الحديثة للتكلفة العالية لتدريب الأطقم، وهنا تظهر أهمية التعاون الإقليمين وتنسيق التعاون بين الدول بحيث تتحرك الأطقم بمجرد حدوث الكارثة، ولا تنتظر يومين أو ثلاثة، وقد يكون أكثر حتي تتحرك، ولابد من تدريب جماعي للأطقم في الدول المختلفة لنجاح عملها معا، ويتم ذلك في شكل مناورات تماثل المناورات العسكرية، و قد تكون الأطقم تابعة لجيوش تلك الدول أو للسلطات المحلية كمجموعات الدفاع المدني، فمثلا معروف أن حرائق الغابات تحدث في مواسم معينه و تؤثر علي القرى، والمدن القريبة من هذه الغابات، وفشلت اليونان وإسبانيا والجزائر في احتوائها مؤخرا، ولو تجمعت أطقم مكافحة الحريق من دول الإقليم في هذه الدول قبل فترة لأمكن إحتواء هذه الحرائق وتقليل الخسائر البشرية والمادية، وكذلك بالنسبة للأعاصير والفيضانات.
تدريب السكان:
كلما كان السكان أكثر وعيا بالتصرف الصحيح أثناء حدوث الكارثة، كلما قل عدد الضحايا، وكلما قلت الخسائر المادية، بل وكلما كان السكان أكثر وعيا بالتصرف الصحيح في معسكرات الإيواء، كلما قلت الأمراض والمشاكل التي من الممكن أن يتعرضوا لها، ويبدأ تدريب السكان في المدارس والتكرار سنويا حتي يصبح تصرف تلقائى، و من الممكن استخدام وسائل الإعلام وشبكات الإنترنت لزيادة الوعي بين السكان.
فساد المحليات:
المفترض أن أي منشأة تقام تخضع لكود زلزال محدد تستطع به تحمل الهزات و الهزات الإرتدادية، وقد اعترف الرئيس التركي، أن معظم المباني المنهارة بعد كارثة زلزال تركيا أنها مخالفة لذلك الكود، وقد إعترف المسئولين في ليبيا أن إنهيار السدود التي تحجب مياه السيول بسبب عدم الصيانة، ويرجع ذلك إلي فساد المحليات سواء بالإهمال أو بالرشوة، كما أن العواصف لها كود في إرتفاعات المباني وحرائق الغابات لها كود مسافة في البعد عنها، و إقليم الشرق الأوسط و البحر المتوسط في حاجة ماسة لمراجعة هذه الأكواد، وتنفيذها بدقة وتشديد العقوبات علي المخالفين.
إمكانيات:
تحتاج مكافحة الكوارث إلي إمكانيات عالية التكلفة ليس في مقدور معظم الدول علي تحملها ، كما أن الجدوي الإقتصادية لن تكون مجدية إلا من خلال تعاون جميع الدول، وتقسيم الأعمال بينها، والتدريب المشترك معا في شكل تحالف لإدارة الكوارث، وإنشاء صندوق لإحتواء الكوارث، وإعادة التعمير تساهم فيه كل الدول بما يسمح بالتحرك السريع و المبكر لمجموعات الإنقاذ بمجرد حدوث الكارثة.
كما أن إقامة معسكرات للناجين وإدارتها مكلفة من حيث المأكل، والمياه، والمستلزمات الطبية والوقاية من الأمراض، واستمرار العملية التعليمية للأطفال حتي إعادة تشييد المدارس والمنشئات التعليمية.
إدارة الكوارث أصبحت علما ويجب أن تتم وفقا لهذا العلم، حتي يتم معالجة تلك الكوارث، وتخفيف الخسائر والحفاظ علي صحة السكان.